للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٧١٦ - فَصْلٌ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَالنِّزَاعِ فِي ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ اضْطِرَابًا كَثيرًا.

فَنَقُولُ: قَد ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ عَامًّا لِجَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنَّهُ قَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "مَن أَدْرَكَ رَكعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَد أَدْرَكَ"، وَكَذَلِكَ قَالَ: "مَن أَدْرَكَ رَكْعَةً مِن الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَد أَدْرَكَ" (١).

ثُمَّ إنَّ مَا نَهَى عَنْهُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ يُبَاحُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، كَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى الْمَخْطُوبَةِ وَالسَّفَرُ بِهَا إذَا خِيفَ ضَيَاعُهَا، كَسَفَرِهَا مِن دَارِ الْحَرْبِ، مِثْل سَفَرِ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَكَسَفَرِ عَائِشَةَ لَمَّا تَخَلَّفَتْ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطِّلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ إلَّا لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمَفْسَدَةِ، فَإِذَا كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ لَمْ يَكُن مُفْضِيًا إلَى الْمَفْسَدَةِ.

وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ، فَإِنَّهُ قَد يُفْضِي إلَى الْمَفْسَدَةِ وَلَيْسَ النَّاسُ مُحْتَاجِينَ إلَيْهِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ لِسِعَةِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُبَاحُ فِيهَا الصَّلَاةُ.

بَل فِي النَّهْيِ عَنْهُ بَعْضُ الْأَوْقَاتِ مَصَالِحُ أُخَرُ:

أ - مِن إجْمَامِ النُّفُوسِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ مَن ثِقَلِ الْعِبَادَةِ كَمَا يُجَمُّ بِالنَّوْمِ وَغَيْرِهِ؛ وَلهَذَا قَالَ مُعَاذٌ: إنِّي لَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي (٢).

ب - وَمِن تَشْوِيقِهَا وَتَحْبِيبِ الصَّلَاةِ إلَيْهَا إذَا مُنِعَتْ مِنْهَا وَقْتًا فَإِنَّهُ يَكُونُ أَنْشَطَ وَأَرْغَبَ فِيهَا؛ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ إذَا خُصَّتْ بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ نَشِطَتْ النُّفُوسُ لَهَا أَعْظَمَ مِمَّا تَنْشَطُ لِلشَّيْءِ الدَّائِمِ.


(١) رواه البخاري (٥٧٩)، ومسلم (٦٠٨).
(٢) وهناك من الناس من حُببت إليه الصلاة، فلو لم يكن هناك وقتٌ يُنهى فيه عن الصلاة لَمَا انقطع عنها، وربما أدى ذلك إلى التفريط في حقوق نفسه وأهله وغيرهم. فسبحان العليم الحكيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>