للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْعُذْرِ دُونَ غَيْرِهِ؛ مِثْل مَا إذَا كَانَ زَحْمَةً فَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُصلِّيَ الْجُمُعَةَ أَو الْجِنَازَةَ إلا قُدَّامَ الْإِمَامِ، فَتَكُونُ صَلَاتُهُ قدَّامَ الْإِمَامِ خَيْرًا لَهُ مِن تَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ.

وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِن الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَرْجَحُهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَام غَايَتُهُ: أنْ يَكُونَ وَاجِبًا مِن بهاجِبَاتِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَالْوَاجِبَاتُ كُلُّهَا تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، وَإِن كَانَت وَاجِبَةً فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ؛ فَالْوَاجِبُ فِي الْجَمَاعَةِ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ؛ وَلهَذَا يَسْقُطُ عَن الْمُصَلِّي مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِن الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَاللِّبَاسِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ فِي الْأَوْتَارِ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، وَلَو فَعَلَ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِن أَدْرَكَهُ سَاجِدًا أَو قَاعِدًا كَبَّرَ وَسَجَدَ مَعَهُ وَقَعَدَ مَعَهُ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ لَه بِذَلِكَ، ويسْجُدُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ وَإِن كَانَ هُوَ لَمْ يَسْهَ.

وَأَيْضًا فَفِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيَعْمَلُ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ، وَيُفَارِقُ الْإِمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَيَقْضِي الرَّكْعَةَ الْأُولَى قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ لِأجْلِ اْلْجَمَاعَةِ، وَلَو فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.

وَأبْلَغُ مِن ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ أَكْثَرِ الْبَصْرِيِّينَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ: أَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ إذَا صَلَّى جَالِسًا صَلَّى الْمَأْمُومُونَ جُلُوسًا؛ لِأَجْلِ مُتَابَعَتِهِ، فَيَتْرُكُونَ الْقِيَامَ الْوَاجِب لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ كَمَا اسْتَفَاضَت "السُّنَنُ" عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلَوْا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ" (١).

وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُفْعَلُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ لَا يُمْكِنُهُ الِائتِمَامُ بِإِمَامِهِ إلا قُدَّامَهُ كَانَ غَايَةُ مَا فِي هَذَا أَنَّهُ قَد تَرَكَ الْمَوْقِفَ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا أَخَفُّ مِن غَيْرِهِ. [٢٣/ ٤٠٤ - ٤٠٦]


(١) رواه البخاري (٦٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>