للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمِنَى نَفْسُهَا لَمْ يَكُن بِهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَسْجِدٌ مَبْنِيٌّ، وَلَكِنْ قَالَ: "مِنَى مُنَاخٌ لِمَن سَبَقَ" (١)، فَنَزَلَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالْمُسْلِمِينَ بِمِنَى وَغَيْرِ مِنًى، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ مِن بَعْدِهِ، وَاجْتِمَاعُ الْحُجَّاجِ بِمِنَى أَكْثَرُ مِن اجْتِمَاعِهِمْ بِغَيْرِهَا فَإِنَّهُم يُقِيمُونَ بِهَا أَرْبَعًا، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْر وَعُمَرُ يُصَلُّونَ بِالنَّاسِ بِمِنَى وَغَيْرِ مِنًى، وَكَانُوا يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ بِمِنَى وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بمزدلفة، وَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِمْ جَمِيعُ الْحُجَّاجِ مِن أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكُلُّهُم يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ بِالْمَشَاعِرِ، وَكُلُّهُم يَجْمَعُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ.

وَقَد تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَنَحْوِهِمْ هَل يَقْصُرُونَ أَو يَجْمَعُونَ:

فَقِيلَ: لَا يَقْصُرُونَ وَلَا يَجْمَعُونَ.

وَقِيلَ: يَجْمَعُونَ وَلَا يَقْصُرُونَ؛ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَمَن وَافَقَهُ مِن أَصْحَابِهِ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.

وَقِيلَ: يَجْمَعُونَ ويقْصُرُونَ كمَا قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَابْن عُيَيْنَة وَإِسْحَاقُ بْن رَاهَوَيْه وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرُهُمْ.

وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ بِلَا ريب، فَإِنَّهُ الَّذِي فَعَلَهُ أَهْلُ مَكةَ خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِلَا ريبٍ، وَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَطُّ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ بِمِنَى وَلَا عَرَفَةَ وَلَا مُزْدَلِفَةَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفَرٌ، وَلَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ فِي جَوْفِ مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ فِي "السُّنَنِ" عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي جَوْفِ مَكَّةَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ (٢)، وَهَذَا مِن أَقْوَى الْأدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوعٌ لِكُلِّ مُسَافِرٍ وَلَو كَانَ سَفَرُهُ بَرِيدًا، فَإِنَّ عَرَفَةَ مِن مَكَّةَ: بَرِيدٌ: أَرْبَعُ فَرَاسِخَ، وَلَمْ يُصَلِّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَلَا خُلَفَاؤُهُ بِمَكَّةَ صَلَاةَ عِيدٍ؛ بَل وَلَا صَلَّى فِي أَسْفَارِهِ قَطُّ صلَاةَ


(١) الترمذي (٨٨١)، وقال: حسن صحيح.
(٢) ضعَّفه الألباني في ضعيف أبي داود (١٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>