للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ رَبَّعَ فِي السَّفَرِ الظُّهْرَ أَو الْعَصْرَ أَو الْعِشَاءَ فَهَذَا غَلَطٌ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْهُ أَحَدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ.

وَلَكِنْ رَوَى بَعْضُ النَّاسِ حَدِيثًا عَن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ يَقْصُرُ وَتُتِمُّ، وَيُفْطِرُ وَتَصُومُ، فَسَأَلْته عَن ذَلِكَ فَقَالَ: "أَحْسَنْت يَا عَائِشَةُ" فَتَوَهَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ هُوَ كَانَ الَّذِي يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ ويُتِمُّ، وَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ، وَنَفْسُ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي فِعْلِهَا بَاطِلٌ، وَلَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ وَلَا أَحَدٌ غَيْرُهَا مِمَن كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إلَّا كَصَلَاتِهِ، وَلَمْ يُصَلِّ مَعَهُ أَحَدٌ أَرْبَعًا قَطُّ، لَا بِعَرَفَةَ وَلَا بمزدلفة وَلَا غَيْرِهِمَا، لَا مِن أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا مِن غَيْرِهِمْ؛ بَل جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ كَانوا يُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُقِيمُ بِمِنَى أَيَّامَ الْمَوْسِمِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ بْنُ عفان فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعًا لِأُمُورِ رَآهَا تَقْتَضِي ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَمِنْهُم مَن وَافَقَهُ وَمِنْهُم مَن خَالَفَهُ.

وَلَمْ يَجْمَعِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إلَّا بِعَرَفَةَ وبمزدلفة خَاصَّةً، لَكِنَّهُ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِن أَسْفَارِهِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ إلَى بَعْدِ الْعِشَاءِ ثُمَّ صَلَّاهُمَا جَمِيعًا، ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَصَلَّاهُمَا جَمِيعًا.

وَلهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِن قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ يَجُوزُ، سَوَاءٌ نَوَى الْقَصْرَ أَو لَمْ يَنْوِهِ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ سَوَاءٌ نَوَاة مَعَ الصَّلَاةِ الْأولَى أَو لَمْ يَنْوِهِ.

وَقَد اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ، وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ الْأَفْضَلُ إلا قَوْلًا شَاذًّا لِبَعْضِهِمْ.

وَاتَّفَقُوا أَنَّ فِعْلَ كُل صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ إذَا لَمْ يَكُن هُنَاكَ سَبَبٌ يُوجِبُ الْجَمْعَ إلَّا قَوْلًا شَاذًّا لِبَعْضِهِمْ.

وَالْقَصْرُ سَبَبُهُ السَّفَرُ خَاصَّةً، لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ السَّفَرِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ فَسَبَبُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>