للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَإِن كَانَ الْمَكِّيُّ إذَا خَرَجَ إلَى عَرَفَاتٍ مُسَافِرًا: فَعَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنَى صَحَارَى خَارِجَة عَن مَكَّةَ، لَيْسَتْ كَالْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ.

وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَسَافَةٍ مَحْدُودَةٍ؛ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ فِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ لَو سَافَرَ يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة لَمْ يَكُن مُسَافِرًا، وَالْمُسَافِرُ عَن الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ إذَا سَافَرَ مِثْل ذَلِكَ كَانَ مُسَافِرًا.

فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بُقْعَةً يُسَافِرُ مِن مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ، فَإِذَا كَانَ مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ صَحْرَاء لَا مَسَاكِنَ فِيهَا يَحْمِلُ فِيهَا الزَّادَ وَالْمَزَادَ فَهُوَ مُسَافِرٌ، وَإِن وَجَدَ الزَّادَ وَالْمَزَادَ بِالْمَكَانِ الَّذِي يَقْصِدُهُ.

وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" (١) عَن يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَن قَصْرِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَو ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ -شُعْبَةُ الشَّاكُّ- صَلَّى رَكْعَتَيْنِ".

وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ أَنْ يَقْطَعَ مِن الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ هَذَا؛ لِأَنَّ السَّائِلَ سَأَلَة عَن قَصْرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ سُؤَالٌ عَمَّا يَقْصُرُ فِيهِ؛ لَيْسَ سُؤَالًا عَن أَوَّلِ صَلَاةٍ يَقْصُرُهَا. [٢٤/ ١٢٠ - ١٣١]

فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَنَسًا أَرَادَ أَنَّهُ مَن سَافَرَ هَذِهِ الْمَسَافَةَ قَصَرَ.

٢٨١٥ - كَانَ عُثْمَانُ (٢) جَعَلَ حُكْمَ الْمَكَانِ الَّذِي يَقْصِدُهُ حُكْمَ طَرِيقِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْدَمَ فِيهِ الزَّاد وَالْمَزَاد، وَخَالَفَهُ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُهُم أَرْجَحُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَصَرَ بِمَكَّةَ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ وَفيهَا الزَّادُ وَالْمَزَادُ. [٢٤/ ١٢٢]

٢٨١٦ - نَفْسُ تَحْدِيدِ السَّفَرِ بِالْمَسَافَةِ بَاطِلٌ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ. [٢٤/ ١٣٣]

٢٨١٧ - التَّحْدِيدُ بِالْمَسَافَةِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي شَرْعٍ وَلَا لُغَةٍ، وَلَا عُرْفٍ وَلَا عَقْلٍ، وَلَا يَعْرِفُ عُمُومُ النَّاسِ مِسَاحَةَ الْأَرْضِ، فَلَا يُجْعَلُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عُمُومُ الْمُسْلِمِينَ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ لَا يَعْرِفونَهُ، وَلَمْ يَمْسَحْ أَحَدٌ الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا قَدَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْأَرْضَ لَا بِأَمْيَالٍ وَلَا فَرَاسِخَ.


(١) (٦٩١).
(٢) حينما أتم بمكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>