للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَكَانَ فِي نَفْيِ الْإِدْرَاكِ مِن إثْبَاتِ عَظَمَتِهِ مَا يَكُونُ مَدْحًا وَصِفَةَ كَمَالٍ، وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ لَا عَلَى نَفْيِهَا، لَكِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إثْبَاتِ الرُّؤَيةِ مَعَ عَدَمِ الْإِحَاطَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا. [٣/ ٣٥ - ٣٧]

الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ عَن رَبِّهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، سَوَاءٌ عَرَفْنَا مَعْنَاهُ أَو لَمْ نَعْرِفْ؛ لِأَنَّهُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ.

فَمَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ الْإِيمَانُ بِهِ وَإِن لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، مَعَ أَنَّ هَذَا الْبَابَ يُوجَدُ عَامَّتُهُ مَنْصُوصًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ سَلَفِ الْأُمَّةِ.

وَمَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُتَأخِّرُونَ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا: فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَل وَلَا لَهُ أَنْ يُوَافِقَ أَحَدًا عَلَى إثْبَاتِ لَفْظِهِ أَو نَفْيِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مُرَادَهُ، فَاِنْ أَرَادَ حَقًّا قُبِلَ، وَإِن أَرَادَ بَاطِلًا رُدَّ، وَإِن اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ لَمْ يُقْبَل مُطْلَقًا وَلَمْ يُردَّ جَمِيعُ مَعْنَاهُ؛ بَل يُوقَفُ اللَّفْظُ وَيُفَسَّرُ الْمَعْنَى، كَمَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فَيُقَالُ لِمَن نَفَى الْجِهَةَ: أَتُرِيدُ بِالْجِهَةِ أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مَخْلُوقٌ؟ فَاللهَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ، أَمْ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ مَا وَرَاءَ الْعَالَمِ؟ فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللهَ فَوْقَ الْعَالَمِ مُبَايِنٌ لِلْمَخْلُوقَاتِ.

وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَن قَالَ اللهُ فِي جِهَةٍ: أَتُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللهَ فَوْقَ الْعَالَمِ؟ أَو تُرِيدُ بِهِ أَنَّ اللهَ دَاخِلٌ فِي شَيءٍ مِن الْمَخْلُوقَاتِ؟ فَإِنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ فَهُوَ حَقٌّ، وَإِن أَرَدْت الثَّانِيَ فَهُوَ بَاطِلٌ.

وَكَذَلِكَ لَفْظُ التَّحَيُّزِ: إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ اللهَ تَحُوزُهُ الْمَخْلُوقَاتُ فَاللهُ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ.

وَإِن أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مُنْحَازٌ عَن الْمَخْلُوقَاتِ؛ أَيْ: مُبَايِنٌ لَهَا مُنْفَصِلٌ عَنْهَا لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>