للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَافَرَ إلَى مَسْجِدِهِ الْمُفَضَّلِ، وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: فَمَن نَذَرَ زِيارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ يُوفِي بِنَذْرِهِ، وَإِن نَذَرَ قَبْرَ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ.

وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِن الْعُلَمَاءِ يُطْلِقُ السَّفَرَ إلَى قَبْرِهِ الْمُكَرَّمِ، وَعِنْدَهُم أَنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ السَّفَرَ إلَى مَسْجِدِهِ؛ إذ كَانَ كُلُّ مُسْلِمٍ لَا بُدَّ إذَا أَتَى الْحُجْرَةَ الْمُكَرَّمَةَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِهِ؛ فَهُمَا عِنْدَهُم مُتَلَازِمَانِ.

وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ: أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ مِن لَوَازِمِ هَذَا السَّفَرِ، فَكُلُّ مَن سَافَرَ إلَى قَبْرِهِ الْمُكَرَّمِ لَا بُدَّ أَنْ تَحْصُلَ لَهُ طَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا بِالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ.

وَأَمَّا نَفْسُ الْقَصْدِ فَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَقْصِدُونَ السَّفَرَ إلَى مَسْجِدِهِ.

وَظَنَّ بَعْضُهُم أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِكَوْنه نَبِيًّا، فَعَدَّى ذَلِكَ فَقَالُوا: يُسَافِرُ إلَى سَائِرِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ كَذَلِكَ.

وَلهَذَا تَنَازَعَ النَّاسُ: هَل يُحْلَفُ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يُحْلَفُ بِشَيْء مِن الْمَخْلُوقَاتِ الْمُعَظَمَةِ؛ كَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالْكَعْبَةِ وَالْمَلَائِكَةِ: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ؛ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُحْلَفُ بِالنَّبِيِّ، وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ، كَمَا لَا يُحْلَفُ بِشَيْءٍ مِن الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَن حَلَفَ بِشَيْء مِن ذَلِكَ وَحَنِثَ، فَإِنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَد ثَبَتَ عَنْهُ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاللهِ" (١).

وَعَن أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُحْلَفُ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ خُصُوصًا، وَيَجِبُ ذِكْرُهُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ وَالْأَذَانِ، فَلِلْإِيمَانِ بِهِ اخْتِصَاصٌ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ.

وَقَالَ ابْن عَقِيلٍ: بَل هَذَا لِكَوْنِهِ نَبِيًّا، وَطَرَدَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ.


(١) رواه أبو داود (٣٢٤٨)، والنسائي (٣٧٦٩)، بهذا اللفظ، ومسلم (١٦٤٦) بلفظ: "من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله".

<<  <  ج: ص:  >  >>