للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلَو نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَشُدَّ الرَّحْلَ لِيُصَلِّيَ بِمَسْجِدٍ أَو مَشْهَدٍ أَو يَعْتَكِفَ فِيهِ أَو يُسَافِرَ إلَيْهِ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ.

قَالُوا: وَلأَنَّ السَّفَرَ إلَى زَيارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِن الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ، وَلَا أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِن أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَن اعْتَقَدَ ذَلِكَ عِبَادَةً وَفَعَلَهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَلِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ.

وَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ بَطَّةَ فِي "الْإِبَانَةِ الصُّغْرَى" مِن الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.

هَذَا آخِرُ مَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَلَمَّا ظَفَرُوا فِي دِمَشْقَ بِهَذَا الْجَوَابِ كَتَبُوهُ وَبَعَثُوا بِهِ إلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَاضِي الشَّافِعِيَّةِ: قَابَلْت الْجَوَابَ عَن هَذَا السُّؤَالِ الْمَكْتُوبِ عَلَى خَطِّ ابْنِ تَيْمِيَّة فَصَحَّ -إلَى أَنْ قَالَ-: وَإِنَّمَا الْمُحَوَّفُ جَعْلُهُ: زَيارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ مَعْصِيَةً بِالْإِجْمَاعِ مَقْطُوعٌ بِهَا هَذَا كَلَامُهُ.

فَانْظُرْ إلَى هَذَا التَّحْرِيفِ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَالْجَوَابُ لَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ مِن زِيارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَيْنِ فِي شَدِّ الرَّحْلِ، وَالسَّفَرِ إلَى مُجَرَّدِ زيارَةِ الْقُبُورِ.

وَزِيارَةُ الْقُبُورِ مِن غَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ إلَيْهَا مَسْأَلَة، وَشَدُّ الرَّحْلِ لِمُجَرَّدِ الزِّيَارَةِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى.

وَالشَّيْخُ لَا يَمْنَعُ الزِّيَارَةَ الْخَالِيَةَ عَن شَدِّ رَحْلٍ؛ بَل يَسْتَحِبُّهَا وَيَنْدُبُ إلَيْهَا (١)، وَكُتُبُهُ وَمَنَاسِكُهُ تَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخُ إلَى هَذِهِ الزِّيَارَةِ فِي


(١) فيه ردٌّ على من فهم أن الشيخ لا يستحب زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن كان قد سافر إلى المسجد النبوي، وإن كان يُفهم ذلك من كلامٍ له سيأتي بحول الله تعالى. =

<<  <  ج: ص:  >  >>