للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَالْمَسَاجِدُ وَالْمَشَاعِرُ إنَّمَا يَنْفَعُ فَضْلُهَا لِمَن عَمِلَ فِيهَا بِطَاعَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْبِقَاعِ لَا يَحْصُلُ بِهَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، وَإِنَّمَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَالْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَد آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِدِمَشْقَ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ بِالْعِرَاقِ، فَكَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى سَلْمَانَ: هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ سَلْمَانُ: إنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الرَّجُلَ عَمَلُهُ.

وَالْمُقَامُ بِالثُّغُورِ لِلْجِهَادِ أَفْضَلُ مِن سُكْنَى الْحَرَمَينِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.

وَلهَذَا كَانَ سُكْنَى الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلَ لِلْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ. [٢٧/ ٤٣٤ - ٤٣٥]

٢٩٦٥ - الْإِقَامَةُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَكُونُ الْأسْبَابُ فِيهِ أَطْوَعَ للهِ وَرَسُولِهِ وَأَفْعَلَ لِلْحَسَنَاتِ وَالْخَيْرِ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَعْلَمَ بِذَلِكَ وَأَقْدَرَ عَلَيْهِ وَأَنْشَطَ لَهُ: أَفْضَلُ مِنَ الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ حَالُهُ فِيهِ فِي طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ دُونَ ذَلِكَ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْجَامِعُ.

وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْأَصْلَ: فَهَذَا يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ حَالِ الْإِنْسَانِ، فَقَد يَكُونُ مُقَامُ الرَّجُلِ فِي أرْضِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ مِن أَنْوَاعِ الْبِدَع وَالْفُجُورِ أَفْضَلَ: إذَا كَانَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللهِ بِيَدِهِ أَو لِسَانِهِ آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ نَاهِيًا عَنِ الْمُنْكَرِ، بِحَيْثُ لَو انْتَقَلَ عَنْهَا إلَى أَرْضِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ لَقَلَّتْ حَسَنَاتُهُ، وَلَمْ يَكُن فِيهَا مُجَاهِدًا وَإِن كَانَ أَرْوَحَ قَلْبًا، وَكَذَلِكَ إذَا عَدِمَ الْخَيْرَ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ فِي أَمَاكِنِ الْفُجُورِ وَالْبِدَعِ.

وَلهَذَا كَانَ الْمُقَامُ فِي الثُّغُورِ بِنِيَّةِ الْمُرَابَطَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى أَفْضَلَ مِن الْمُجَاوَرَةِ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّ جِنْسَ الْجِهَادِ أَفْضَلُ مِن جِنْسِ الْحَجِّ.

وَهَكَذَا لَو كَانَ عَاجِزًا عَن الْهِجْرَةِ وَالِانْتِقَالِ إلَى الْمَكَانِ الْأَفْضَلِ الَّتِي لَو

<<  <  ج: ص:  >  >>