للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإِنَّ اللهَ قَالَ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [محمد: ٢٤] .. فَأَمَرَ بِتَدَبُّرِ الْكِتَابِ كلِّهِ.

وَقَد قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧)} [آل عمران: ٧]، وَجُمْهُورُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَن أبي بْنِ كَعْب وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَد رُوِيَ عَن مُجَاهِدٍ وَطَائِفَةٍ: أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ.

وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ.

فَإِنَّ لَفْظَ التَّأْوِيلِ قَد صَارَ بِتَعَدُّدِ الِاصْطِلَاحَاتِ مُسْتَعْمَلًا فِي ثَلَاثَةِ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا -وَهُوَ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِن الْمُتَأَخِّرِينَ مِن الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ-: أَنَّ التَّأْوِيلَ هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَن الِاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ لِدَلِيل يَقْتَرِنُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَنَاهُ أَكْثَرُ مَن تَكَلَّمَ مِن الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَأْوِيلِ نُصُوصِ الصِّفَاتِ وَتَرْكِ تَأْوِيلِهَا، وَهَل ذَلِكَ مَحْمُودٌ أَو مَذْمُومٌ، أَو حَق أَو بَاطِلٌ.

الثَّانِي: أَنَّ التَّأْوِيلَ بِمَعْنَى التَّفْسِيرِ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُفَسِّرِينَ لِلْقُرْآنِ كَمَا يَقُولُ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَمْثَالُهُ -مِن الْمُصَنِّفِينَ فِي التَّفْسِيرِ-: وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ التَّأْوِيلِ.

الثَّالِثُ: مِن مَعَانِي التَّأْوِيلِ: هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي يَؤُولُ إلَيْهَا الْكَلَامُ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: ٥٣].

فَتَأْوِيلُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِن أَخْبَارِ الْمُعَادِ هُوَ مَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ فِيهِ مِمَّا يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>