النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ" رَوَاهُ التّرْمِذِيُّ (١) وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ كلِّهِمْ.
فَإِنَّ النَّاسَ لَو وَقَفُوا بِعَرَفَةَ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ خَطَأَ أَجْزَأَهُم الْوُقُوفُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي حَقِّهِمْ.
وَلَو وَقَفُوا الثَّامِنَ خَطَأَ فَفِي الْإِجْزَاءِ نِزَاعٌ، وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْوُقُوفِ أَيْضًا، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِك وَمَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ.
وَأَصْلُ ذَلِك أنَ اللهَ سُبْحانه وتعالى عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالْهِلَالِ وَالشَّهْرِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩]، وَالْهِلَالُ اسْمٌ لِمَا يُسْتَهَلُّ بِهِ؛ أَيْ: يُعْلَنُ بِهِ وَيُجْهَرُ بِهِ، فَإِذَا طَلَعَ فِي السَّمَاءِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ وَيَسْتَهِلُّوا لَمْ يَكُن هِلَالًا، وَكَذَا الشَّهْرُ مَأْخُوذٌ مِن الشُّهْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يَكن الشَّهْرُ قَد دَخَلَ.
وَإِنَّمَا يَغْلَطُ كَثِيرٌ مِن النَّاسِ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ إذَا طَلَعَ فِي السَّمَاءِ كَانَت تِلْكَ اللَّيْلَةُ أَوَّلَ الشَّهْرِ سَوَاءٌ ظَهَرَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ وَاسْتَهَلُّوا بِهِ أَو لَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَل ظُهُورُهُ لِلنَّاسِ وَاسْتِهْلَالُهُم بِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ وَلهَذَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْم تُفْطِرُونَ وَأضْحَاكُمْ يَوْم تُضَحُّونَ"؛ أَيْ: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَعْلَمُونَ أنَّهُ وَقْتُ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَالْأضْحَى، فَإِذَا لَمْ تَعْلَمُوهُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ.
وَصَوْمُ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ: هَل هُوَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ أَو عَاشِرُ ذِي الْحِجَّةِ جَائِزٌ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَاشِرِ.
وَإِنَّمَا الَّذِي يَشْتَبِهُ فِي هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: لَو رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ أَو أَخْبَرَهُ بِهِ جَمَاعَةٌ يَعْلَمُ صِدْقَهُم: هَل يُفْطِرُ أَمْ لَا؟
(١) (٨٠٢)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير (٤٢٨٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute