للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصَّحَابَةِ مُتَّفِقَةٌ، وَمَن نَسَبَهُم إلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ فَلِعَدَمِ فَهْمِهِ أحْكَامَهُم؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ نَقَلُوا أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، هَكَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ، وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا، كَمَا نَقَلُوا أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ.

مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ الْحَجِّ؛ بَل لَمْ يَعْتَمِرْ مَعَهُ مِن أَصْحَابِهِ بَعْدَ الْحَجِّ إلَّا عَائِشَةُ؛ لِأَجْلِ حَيْضَتِهَا.

وَلَفْظُ "الْمُتَمَتِّعِ" فِي الْكتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ اسْمٌ لِمَن جَمَعَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِهِمَا جَمِيعًا، أَو أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، أَو أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِن الْعُمْرَةِ -وَهَذَا هُوَ التَّمَتُّعُ الْخَاصُّ فِي عُرْفِ الْمُتَأَخِّرِين-.

وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ قَضَاءِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا لِكَوْنِهِ سَاقَ الْهَدْيَ، أَو مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَسُقْهُ، وَهَذَا قَد يُسَمُّونَهُ مُتَمَتِّعًا التَّمَتُّعَ الْخَاصَّ وَقَارِنًا، وَقَد يَقُولُونَ: لَا يَدْخُلُ فِي التَّمَتُّعِ الْخَاصِّ بَل هُوَ قَارِنٌ.

وَمَا ذَكَرْتُه مِن أَنَّ الْقِرَآنَ يُسَمُّونَهُ تَمَتُّعًا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةِ.

وَهَؤلَاءِ الَّذِينَ نَقَلُوا أَنَّهُ تَمَتَّعَ نَقَلَ بَعْضُهُم أَنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ؛ فَإِنَّهُ أَفْرَدَ أَعْمَالَ الْحَجِّ وَلَمْ يَحِلَّ مِن إحْرَامِهِ لِأَجْلِ سَوْقِهِ الْهَدْيَ، فَهُوَ لَمْ يَتَمَتَّعْ مُتْعَةً حَلَّ فِيهَا مِن إحْرَامِهِ، فَلِهَذَا صَارَ كَالْمُفْرِدِ مِن هَذَا الْوَجْهِ.

وَأَمَّا الْأفْضَل لِمَن قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ: فَالتَّحَلُّلُ مِن إحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ أَفْضَلُ لَهُ كَمَا أمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَإِنَّهُ أَمَرَ كُلَّ مَن لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ بِالتَّمَتُّعِ.

وَمَن سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَآنُ لَهُ أَفْضَلُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-.

وَمَنِ اعْتَمَرَ فِي سَفْرَةٍ وحَجَّ فِي سَفْرَةٍ، أَو اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ: فَهَذَا الْإِفْرَادُ لَه أَفْضَلُ مِن التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. [٢٢/ ٢٩٢ - ٢٩٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>