للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَعُمْرَةُ تَمَتُّعٍ أَفْضَلُ مِن عُمْرَةٍ مَكِّيَّةِ عَقِيبَ الْحَجِّ.

فَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ عُمَرُ لِلنَّاسِ هُوَ الِاخْتِيَارُ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ: كَالْإِمَامِ أَحْمَد وَمَالِكٍ وَالشافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي اخْتِيَارِ ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (١).

وَقَوِيَ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَان، حَتَّى ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أنَّ عُثْمَانُ كَانَ يَنْهَى عَن الْمُتْعَةِ، فَلَمَّا رَآهُ عَلِيٌّ اُّهَلَّ بِهِمَا وَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأَدَعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِقَوْلِ أَحَدٍ، وَنَهْيُ عُثْمَان كَانَ لِاخْتِيَارِ الْأفْضَلِ لَا نَهْيَ كَرَاهَةٍ. [٢٦/ ٢٧٦ - ٢٧٨]

٣١٨٩ - نَصَّ أَحْمَد عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يُجْزِئهُ سَعْيٌ وَاحِدٌ كَمَا يُجْزِئُ الْقَارِنَ (٢)، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَخْتَلِفَانِ إلَّا بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ اُّنَّ تَقَدُّمَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَفْضَلُ مِن تَأْخِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ، وَهَذَا الَّذِي ثَبَتَ صَحِيحًا صَرِيحًا عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَيْثُ قال أَنَسٌ: سَمِعْته يَقُولُ: "لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا" (٣).

وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَو اسْتَقْبَلْت مِن أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً" (٤): فَهَذَا أَيْضا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ لَمْ يَكُن يَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَجْعَلُهَا عُمْرَةً إذَا لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ؛ وَذَلِكَ لِأنَّ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَمَرَهُم بِالْإِحْلَالِ -وَهُم الَّذِينَ لَمْ يَسُوقُوا الْهَدْيَ- كَرِهُوا أَنْ يُحِلُّوا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّهُم لَمْ يَكُونوا يَعْتَادُونَ الْحِلَّ فِي وَسَطِ الْإِحْرَامِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لِأَجْلِ تَطْيِيبِ قُلُوبِهِم يُوَافِقُهُم فِي الْفِعْلِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ لَو اسْتَقْبَلَ مِن


(١) ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَه الله ظاهرٌ في أنَّه يرى أنّ العمرة التي تكون لها سفرة خاصة أفضل من العمرة التي تكون مع التمتع، ولهذا إذا رجع بعد عمرته السابقة فالشيخ لا يقول بأنَّ الإفراد أفضل، بل إن تمتع فهذا أكمل وأفضل.
(٢) وهو الذي رجحه الشيخ كما تقدم.
(٣) رواه مسلم (١٢٣٢).
(٤) أخرجه البخاري (٧٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>