للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هُوَ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ لَا قَسِيمَ لَهُ، وَوَاحِدٌ فِي صِفَاتِهِ لَا شَبِيهَ لَهُ، وَوَاحِدٌ فِي أَفْعَالِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ (١).

وَأَشْهَرُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُم هُوَ الثَّالِثُ، وَهُوَ تَوْحِيدُ الْأَفْعَالِ، وَهُوَ أَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ، وَيَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا هُوَ التَّوْحِيدُ الْمَطْلُوبُ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، حَتَّى قَد يَجْعَلُوا مَعْنَى الْإِلَهِيَّةِ الْقُدْرَةَ عَلَى الِاخْتِرَاعِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مِن الْعَرَب الَّذِينَ بُعِثَ إلَيْهِم مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- أوَّلًا لَمْ يَكُونُوا يُخَالِفُونَهُ فِي هَذَا؛ بَل كَانُوا يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إنَّهُم كَانُوا يُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ أيْضًا، وَهُم مَعَ هَذَا مُشْرِكُونَ.

وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّاني -وَهُوَ قَوْلُهُم: لَا شَبِيهَ لَهُ فِي صِفَاتِهِ-: فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْأمَمِ مَن أَثْبَتَ قَدِيمًا مُمَاثِلًا لَهُ فِي ذَاتِهِ.

وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّالِثُ -وَهُوَ قَوْلُهُم: هُوَ وَاحِدٌ لَا قَسِيمَ لَهُ فِي ذَاتِهِ، أَو لَا جُزْءَ لَهُ، أَو لَا بَعْضَ لَهُ-: لَفْظٌ مُجْمَلٌ؛ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَحَدٌ صَمَدٌ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أنْ يَتَفَرَّقَ أَو يَتَجَزَّأَ، أَو يَكُونَ قَد رُكِّبَ مِن أَجْزَاءٍ، لَكِنَّهُم يُدْرِجُونَ فِي هَذَا اللَّفْظِ نَفْيَ عُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَمُبَايَنَتَهُ لِخَلْقِهِ، وَامْتِيَازَهُ عَنْهُمْ، وَنَحْو ذَلِكَ مِن الْمَعَانِي الْمُسْتَلْزِمَةِ لِنَفْيِهِ وَتَعْطِيلِهِ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِن التَّوْحِيدِ.

فَقَد تَبَيَّنَ أَنَّ مَا يُسَمونَهُ تَوْحِيدًا: فِيهِ مَا هُوَ حَقٌّ، وَفِيهِ مَا هُوَ بَاطِلٌ.


(١) يُنظر في ذلك من كتب الأشاعرة: مجرد مقالات الأشعري لابن فورك (ص ٥٥)، والاعتقاد للبيهقي (ص ٦٣)، وشرح أسماء الله الحسنى للقشيري (ص ٢١٥)، والشامل (ص ٣٤٥ - ٣٤٨)، والإرشاد (ص ٥٢)، ولمع الأدلة (ص ٨٦)، وإحياء علوم الدين (١/ ٣٣)، والاقتصاد في الاعتقاد (ص ٤٩)، ونهاية الأقدام (ص ٩٠) وغيرها.
وبناءً على تعريفهم للإيمان فقد أخرجوا توحيد الألوهية من تقسيمهم للتوحيد.
فلذلك فإن أي مجتمع أشعري تجد فيه توحيد الالهية مختلًّا، وينتشر بينهم الشرك والبدعة؛ لأنهم لم يتعلّموا أن الله واحد في عبادته لا شريك له.

<<  <  ج: ص:  >  >>