للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَا بُدَّ فِي عِبَادَتِهِ مِن أَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ.

وَالثَّانِي: مُوَافَقَةُ أمْرِهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ.

وَلهَذَا ذَمَّ اللهُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى اتِّبَاعِ مَا شَرَعَ لَهُم شُرَكَاؤُهُم مِن الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ مِن عِبَادَةِ غَيْرِهِ، وَفِعْلِ مَا لَمْ يَشْرَعْهُ مِن الدِّينِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١]، كَمَا ذَمَّهُم عَلَى أَنَّهُم حَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللهُ (١).

وَالدِّينُ الْحَقُّ أَنَّهُ لَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللهُ وَلَا دِينَ إلَّا مَا شَرَعَهُ.

ثُمَّ إنَّ النَّاسَ فِي عِبَادَتِهِ وَاسْتِعَانَتِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أ - فَالْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ: هُم لَهُ وَبِهِ يَعْبُدُونَهُ وَيَسْتَعِينُونَهُ.

ب - وَطَائِفَةٌ تَعْبُدُهُ مِن غَيْرِ اسْتِعَانَةٍ وَلَا صَبْرٍ، فَتَجِدُ عِنْدَ أحَدِهِمْ تَحَرِّيًا لِلطَّاعَةِ وَالْوَرَعِ وَلُزُومِ السُّنَّةِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُم تَوَكُّلٌ وَاسْتِعَانَةٌ وَصَبْرٌ؛ بَل فِيهِمْ عَجْزٌ وَجَزَعٌ.

ج - وَطَائِفَةٌ فِيهِم اسْتِعَانَةٌ وَتَوَكُّلٌ وَصَبْرٌ مِن غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ عَلَى الْأمْرِ وَلَا مُتَابَعَةِ لِلسُّنَّةِ، فَقَد يُمَكَّنُ أَحَدُهُم وَيَكُونُ لَهُ نَوْعٌ مِن الْحَالِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَيُعْطَى مِن الْمُكَاشَفَاتِ وَالتَّأْثِيرَاتِ مَا لَمْ يُعْطَهُ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ، وَلَكِنْ لَا عَاقِبَةَ لَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِن الْمُتَّقِينَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى.

فَالْأوَّلُونَ: لَهُم دِينٌ ضَعِيفٌ وَلَكنَّهُ مُسْتَمِرٌّ بَاقٍ، إنْ لَمْ يُفْسِدْهُ صَاحِبُهُ بِالْجَزَعِ وَالْعَجْزِ.

وَهَؤُلَاءِ لِأَحَدِهِمْ حَالٌ وَقُوَّةٌ، وَلَكِنْ لَا يَبْقَى لَهُ إلَّا مَا وَافَقَ فِيهِ الْأَمْرَ وَاتَّبعَ فِيهِ السُّنَّةَ.


(١) في قوله تعالى: {وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ} [الأنعام: ١٤٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>