للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٤٠٥ - الْقَتْلُ الْمَشْرُوعُ: هُوَ ضَرْبُ الرَّقَبَةِ بِالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْوَحُ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ.

وَأَمَّا الصَّلْبُ الْمَذْكُورُ فَهُوَ رَفْعُهُم عَلَى مَكَانٍ عَالٍ لِيَرَاهُم النَّاسُ وَيَشْتَهِرَ أَمْرُهُمْ، وَهُوَ بَعْدَ الْقَتْلِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهُم مَن قَالَ: يُصَلَّبُونَ ثُمَّ يُقَتَّلُونَ وَهُم مُصَلَّبُونَ.

وَقَد جَوَّزَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَتْلَهُم بِغَيْرِ السَّيْفِ.

فَأَمَّا التَّمْثِيلُ فِي الْقَتْلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ .. وَالتَّرْكُ أَفْضَلُ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٦، ١٢٧].

قِيلَ: إنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا مَثَّلَ الْمُشْرِكُونَ بِحَمْزَة وَغَيْرِهِ مِن شُهَدَاءَ أُحُدٍ -رضي الله عنهم-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-:"لَئِنْ أَظْفَرَنِي اللهُ بِهِم لَأُمَثِّلَنَّ بِضِعْفَيْ مَا مَثَّلُوا بِنَا"؛ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَإِن كَانَت قَد نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ، مِثْل قَوْلِهِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥]، وَقَوْلِهِ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤]، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ بِمَكَّةَ ثُمَّ جَرَى بِالْمَدِينَةِ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْخِطَابَ فَأْنْزِلَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً.

فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "بَل نَصْبِرُ".

وَلَو شَهَرُوا السِّلَاحَ فِي الْبُنْيَانِ -لَا فِي الصَّحْرَاءِ- لِأَخْذِ الْمَالِ فَقَد قِيلَ: إنَّهُم لَيْسُوا مُحَارِبِينَ بَل هُم بِمَنْزِلَةِ الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ يُدْرِكُهُ الْغَوْثُ إذَا اسْتَغَاثَ بِالنَّاسِ.

وَقَالَ أَكْثَرُهُم: إنَّ حُكْمَهُم فِي الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ وَاحِدٌ .. بَل هُم فِي الْبُنْيَانِ أَحَقُّ بِالْعُقُوبَةِ مِنْهُم فِي الصَّحْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْبُنْيَانَ مَحَلُّ الْأَمْنِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ تَنَاصُرِ النَّاسِ وَتَعَاوُنهِمْ فَإِقْدَامُهُم عَلَيْهِ يَقْتَضِي شِدَّةَ الْمُحَارَبَةِ وَالْمُغَالَبَةِ .. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>