فِي كِتَابِهِ، وَتَوَاتَرَ عَن رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ: مِن أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، عَلِيٌّ عَلَى خَلْقِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَهُم أَيْنَمَا كَانُوا، يَعْلَمُ مَا هُم عَامِلُونَ، كَمَا جَمَعَ بَيْنَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤)} [الحديد: ٤].
وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالْخَلْقِ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا تُوجِبُهُ اللُّغَةُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، وَخِلَافُ مَا فَطَرَ اللهُ عَلَيْهِ الْخَلْقَ؛ بَل الْقَمَرُ آيَةٌ مِن آيَاتِ اللهِ مِن أَصْغَرِ مَخْلُوقَاتِهِ هُوَ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ مَعَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرِ الْمُسَافِرِ أيْنَمَا كَانَ.
فَصْلٌ: وَقَد دَخَلَ فِي ذَلِكَ: الْإِيمَانُ بِأَنَهُ قَرِيبٌ مِن خَلْقِهِ فجِيبٌ.
فَصْلٌ: وَمِن الْإِيمَانِ باللهِ وَكُتُبِهِ: الْإِيمَانُ بأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً، وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ كَلَامُ اللهِ حَقِيقَةً لَا كَلَامُ غَيْرِهِ.
فَصْلٌ: وَقَد دَخَلَ أَيْضًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِن الْإِيمَانِ بِهِ وَبِكُتُبِهِ وَبِرُسُلِهِ: الْإِيمَانُ بِأَنَّ الْمُؤمِنِينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِيَانًا بِأَبْصَارِهِمْ.
فَصْلٌ: وَمِن الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ: الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ فَيُؤْمِنُونَ بِفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَبِنَعِيمِهِ.
فَأَمَّا الْفِتْنَةُ: فَإِنَّ النَّاسَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: "مَن رَبُّك وَمَا دِينُك وَمَن نَبِيُّك؟ " (١).
ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الْفِتْنَةِ: إمَّا نَعِيمٌ وَإِمَّا عَذَابٌ إلَى أَنْ تَقُومَ الْقِيَامَةُ الْكُبْرَى،
(١) رواه أبو داود (٤٧٥٣)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute