وَيجِبُ قَسْمُهَا بَيْنَهُم بِالْعَدْلِ، فَلَا يُحَابَى أَحَدٌ لَا لِرِيَاسَتِهِ وَلَا لِنَسَبِهِ وَلَا لِفَضْلِهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَخُلَفَاؤُهُ يَقْسِمُونَهَا.
لَكِنْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ مَن ظَهَرَ مِنْهُ زِيَادَةُ نِكَايَةٍ؛ كَسَرِيَّة تَسَرَّتْ مِن الْجَيْشِ، أَو رَجُلٍ صَعِدَ حِصْنًا عَالِيًا فَفَتَحَهُ، أَو حَمَلَ عَلَى مُقَدَّمِ الْعَدُوِّ فَقَتَلَهُ فَهَزَمَ الْعَدُوَّ وَنَحْو ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَخُلَفَاءَهُ كَانُوا يُنَفِّلُونَ لِذَلِكَ.
وَكَانَ يُنَفِّلُ السّرِيَّةَ فِي الْبِدَايَةِ الرّبعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَهَذَا النَّفْلُ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّهُ يَكُونُ مِن الْخُمُسِ.
وَقَالَ بَعْضُهُم: إنَّهُ يَكُونُ مِن خمُسِ الْخُمُسِ؛ لِئَلَّا يُفَضِّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَجُوزُ مِن أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَإِن كَانَ فِيهِ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِمَصْلَحَة دِينِيَّةٍ لَا لِهَوَى النَّفْسِ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- غَيْرَ مَرَّةٍ، وَهَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الشَّامِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ.
كَذَلِكَ -عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ- لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ: مَن أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ؛ كَمَا روِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ قَد قَالَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، إذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً رَاجِحَةً عَلَى الْمَفْسَدَةِ.
فَإِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ الْجَمْعَ وَالْقِسْمَةَ وَأَذِنَ فِي الْأخْذِ إذْنًا جَائِزًا، فَمَن أَخَذَ شَيْئًا بِلَا عُدْوَانٍ حَلَّ لَهُ بَعْدَ تَخْمِيسِهِ، وَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَى الْإِذْنِ فَهُوَ إذْنٌ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَن أَو أَذِنَ إذْنًا غَيْرَ جَائِزٍ: جَازَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْخُذَ مِقْدَارَ مَا يُصِيبُهُ بِالْقِسْمَةِ مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ.
وَمَن حَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جَمْعَ الْغَنَائِمِ وَالْحَالُ هَذِهِ وَأَبَاحَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا ما يَشَاءُ: فَقَد تَقَابَلَ الْقَوْلَانِ تَقَابُلَ الطَّرَفَيْنِ، وَدِينُ اللهِ وَسَطٌ.
وَالْعَدْلُ فِي الْقِسْمَةِ: أَنْ يُقْسَمَ لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَللْفَارِسِ ذِي الْفَرَسِ الْعَرَبِيِّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ؛ هَكَذَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَامَ خَيْبَرَ.