اللَّبَنَ بِالْمَاءِ لِلْبَيْعِ فَأرَاقَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا ثَابِت عَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-.
وَهَذَا كَمَا يُتْلِفُ مِن الْبَدَنِ الْمَحَلَّ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ؛ فَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ، وَتُقْطَعُ رِجْلُ الْمُحَارِبِ وَيَدُهُ، وَكَذَلِكَ الَّذِي قَامَ بِهِ الْمُنْكرُ فِي إتْلَافِهِ نهْيٌ عَن الْعَوْدِ إلَى ذَلِكَ الْمُنْكَرِ، وَلَيْسَ إتْلَافُ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ بَل إذَا لَمْ يَكُن فِي الْمَحَلِّ مَفْسَدَةٌ جَازَ إبْقَاؤُهُ أَيْضًا؛ إمَّا للهِ وإِمَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، كَمَا أَفْتَى طَائِفَةٌ مِن الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ: أَنَّ الطَّعَامَ الْمَغْشُوشَ مِن الْخُبْزِ وَالبَطّيخِ وَالشِّوَاءِ كَالْخُبْزِ وَالطَّعَامِ الَّذِي لَمْ يَنْضَجْ وَكَالطَّعَامِ الْمَغْشُوشِ وَهُوَ: الَّذِي خُلِطَ بِالرَّدِيءِ وَأَظْهَرَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ جَيّد وَنَحْو ذَلِكَ: يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِن إتْلَافِهِ.
وَإِذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَد أَتْلَفَ اللَّبَنَ الَّذِي شِيبَ لِلْبَيْعِ: فَلَأَنْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأوْلَى؛ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ عُقُوبَةُ الْغَاشِّ وَزَجْرُهُ عَن الْعَوْدِ، وَيَكُونُ انْتِفَاعُ الْفُقَرَاءِ بِذَلِكَ أَنْفَعَ مِن إتْلَافِهِ، وَعُمَرُ أَتْلَفَهُ لِأَنَّه كَانَ يُغْنِي النَّاسَ بِالْعَطَاءِ، فَكَانَ الْفُقَرَاءُ عِنْدَهُ فِي الْمَدِينَةِ إمَّا قَلِيلًا وَإِمَّا مَعْدُومِينَ.
٣٥٠١ - أَكْثَرُ مَن يَدَّعِي نَسْخَ النُّصُوصِ بِمَا يَدَّعِيهِ مِن الْإِجْمَاعِ إذَا حُقّقَ الْأَمْر عَلَيْهِ لَمْ يَكُن الْإِجْمَاعُ الَّذِي ادَّعَاهُ صَحِيحًا؛ بَل غَايَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ فِيهِ نِزَاعًا.
٣٥٠٢ - كُلُّ مَا كَانَ مِن الْعَيْنِ أَو التَّألِيفِ الْمُحَرَّمِ: فَإِزَالَتُهُ وَتَغْيِيرُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ مِثْل إرَاقَةِ خَمْرِ الْمُسْلِمِ، وَتَفْكِيكِ آلَاتِ الْمَلَاهِي، وَتَغْيِيرِ الصُّوَرِ الْمُصَوَّرَةِ، وإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ إتْلَافِ مَحِلِّهَا تَبَعًا لِلْحَالِ، وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا.
وَالصَّوَابُ أنَّ كلَّ مُسْكرٍ مِن الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَهُوَ حَرَامٌ، ويدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ وَالْحَشِيشَة القنبية وَغَيْرُ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute