للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أُنْفِقَ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ، فَيُنْفَقُ فِي طَاعَةِ الرَّحْمَنِ (١). [٢٧/ ١١٠ - ١١١]

٣٦١٠ - إذَا لَمْ يَعْرِف؛ [أي: الظالم الغاصب أو السارق] الْمَظْلُومَ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا لَو حَصَلَ بِيَدِهِ أَثْمَانٌ مِن غصوب وَعَوَارٍ وَوَدَائِعَ لَا يَعْرِفُ أَصْحَابَهَا فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُم؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ كَالْمَعْدُومِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْمَعْجُوزُ عَنْهُ كَالْمَعْدُومِ؛ وَلهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي اللُّقَطَةِ: "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ مَالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ" (٢).

فجَعَلَهَا لِلْمُلْتَقِطِ (٣) إذا تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ صَاحِبِهَا - وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَوَازِ صَدَقَتِهِ بِهَا، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ تَمَلُّكِهِ لَهَا مَعَ الْغِنَى، وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ - فَكَيْفَ بِمَا يَجْهَلُ فِيهِ ذَلِكَ؟ (٤).


(١) ويجوز لمن تاب من الكسب المحرم إن كان محتاجًا أنْ يأخذ من المال قدر حاجته، وله أن يستثمر شيئًا منه يجعله رأس مال في تجارة أو صناعة، ثم يتصدق بما زاد عن حاجته، كما تقدّم النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ.
(٢) رواه الإمام أحمد (١٧٤٨١).
(٣) قال الشيخ في موضع آخر: فَهَذ اللُّقَطَةُ كَانَت مِلْكًا لِمَالِكٍ وَوَقَعَتْ مِنْهُ، فَلَمَّا تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ مَالِكِهَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ مَالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ"، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أنَّ اللهَ شَاءَ أَنْ يُزِيلَ عَنْهَا مِلْكَ ذَلِكَ الْمَالِكِ، وُيعْطِيَهَا لِهَذَا الْمُلْتَقِطِ الَّذِي عَرَّفَهَا سَنَةً.
وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأئِمَّةِ أَنَّهُ بَعْدَ تَعْرِيفِ السَّنَةِ يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا إنْ كَانَ فَقِيرًا.
وَهَل لَهُ التَّمَلُّكُ مَعَ الْغِنَى؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، وَمَذْهَبُ الشافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُهُ. اهـ. (٢٩/ ٣٢٢)
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: مَعْنَاهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ؛ انْطِلَاقُ يَدِ الْمُلْتَقِطِ عَلَيْهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِمَا شَاءَ مِنَ الْأَكْلِ لَهَا وَاسْتِنْفَاقِهَا، أَوِ الصَّدَقَةِ بِهَا، وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُهَا إِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِمَن رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَ الْمُلْتَقِطَ مُخَيرٌ بَعْدَ الْحَوْلِ في أكلها أو الصدقة بها: عمر وابن عمر وابن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ -رضي الله عنهم-. اهـ. الاستذكار (٧/ ٢٥٠).
(٤) العبارة في الأصل: فَإِذَا كَانَ فِي اللُّقَطَةِ التِي تَحْرُمُ بِأَنَّهَا سَقَطَتْ مِن مَالِكٍ لَمَّا تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ صَاحِبِهَا جَعَلَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلْمُلْتَقِطِ.
وفيها من الغموض ما هو ظاهر، والمثبت من الفتاوى المصرية (٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>