للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَبِيعٌ، وَقَد تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِن قَبْضِهِ، وَفِي ضَمَانِ ذَلِكَ:

أ - فَالشَّافِعِيُّ يَمْنَعُهُ مُطْلَقًا وَيقُولُ: هُوَ مِن ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَن أَحْمَد.

ب - وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُهُ إلَّا فِي الْعَقَارِ وَيقُولُ: هُوَ مِن ضَمَانِ الْبَائِعِ.

ج - وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَغَيْرُهُمَا فَيَقُوُلونَ: مَا تَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِن قَبْضِهِ وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ -كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ- فَهُوَ مِن ضَمَانِ الْمُشْتَرِي؛ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَن الزُّهْرِيِّ عَن سَالِمٍ عَن ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: "مَضَت السُّنَّةُ أَنَّ مَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِن ضَمَانِ الْمُشْتَرِي".

فَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد: أَنَّ النَّاقِلَ لِلضَّمَانِ إلَى الْمُشْتَرِي هُوَ التَّمَكُّنُ مِن الْقَبْضِ لَا نَفْسُ الْقَبْضِ.

فَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ أَنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِيهِ لَيْسَ مُلَازِمًا لِلضَّمَانِ وَلَا مَبْنِيًّا عَلَيْهِ؛ بَل قَد يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حَيْثُ يَكُونُ مِن ضَمَانِ الْبَائِعِ، كَمَا ذَكَرَ فِي الثَّمَرَةِ وَمَنَافِعِ الْإِجَارَةِ، وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي الصُّبْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَد قَد يَكُونُ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ وَيجُوزُ لِلْمُشْتَرِي بَيْعُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ كَالثَّمَرِ إذَا بِيعَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، فَإِنَّهُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد مِن ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَهُوَ قَوْلٌ مُعَلَّقٌ لِلشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَن جَابِرٍ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إذَا بِعْت مِن أَخِيك ثَمَرَةً فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ" (١).


(١) رواه البخاري بنحوه (٢١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>