أُخْرَى وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللهَ قَد غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا، وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ.
وَمَا زَالَ السَّلَفُ يَتَنَازَعُونَ فِي كَثِيرٍ مِن هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُم عَلَى أَحَدٍ لَا بِكُفْر وَلَا بِفِسْق وَلَا مَعْصِيَةٍ.
وَكُنْت أُبَيِّنُ لَهُم أَنَّمَا نُقِلَ لَهُم عَن السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِن إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مَن يَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ أَيْضًا حَقُّ، لَكِنْ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّعْيِينِ.
وَهَذِهِ أَوَّلُ مَسْألَةٍ تَنَازَعَتْ فِيهَا الْأُمَّةُ مِن مَسَائِلِ الْأُصُولِ الْكِبَارِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ "الْوَعِيدِ"؛ فَإِنَّ نُصُوصَ الْقُرْآنِ فِي الْوَعِيدِ مُطْلَقَةٌ؛ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الْآيَةَ [النساء: ١٠].
وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا وَرَدَ: مَن فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا، فَإِنَ هَذِهِ مُطْلَقَةٌ عَامَّةٌ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ مَن قَالَ مِن السَّلَفِ: مَن قَالَ كَذَا فَهُوَ كَذَا.
ثُمَّ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ يلتغي حُكْمُ الْوَعِيدِ فِيهِ بِتَوْبَة، أَو حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ، أَو مَصَائِبَ مُكفِّرَةٍ، اُّو شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ.
وَالتَّكْفِيرُ هُوَ مِن الْوَعِيدِ، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ الْقَوْلُ تَكْذِيبًا لِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ، لَكِنْ قَد يَكُونُ الرَّجُل حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلَام، أو نَشَأَ بِبَادِيَة بَعِيدَةٍ.
وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكْفُرُ بِجَحْدِ مَا يَجْحَدُهُ حَتَّى تَقومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ.
وَقَد يَكُون الرَّجُلُ:
أ- لم يَسْمَعْ تِلْكَ النُّصُوص.
ب- أَو سَمِعَهَا وَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ.
ج- أَو عَارَضَهَا عِنْدَهُ مُعَارِضٌ آخَرُ أوْجَبَ تَأْوِيلَهَا، وَإن كَانَ مُخْطِئًا.
وَكُنْت دَائِمَا أَذْكُرُ الْحَدِيثَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ (١) فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ:
(١) البخاري (٣٤٨١)، ومسلم (٢٧٥٦).