التَّصَرُّفِ لَا يَقْدَحُ فِي تَصَرُّفِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْوَقْفُ الْوَاقِعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَلَا يَبْطُل ذَلِكَ وَلَا حُكْمُ الْحَاكِمِ بِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
فَعَلَى هَذَا: لَا تُقْبَلُ مُجَرَّدُ دَعْوَاهُ الْعَزْلَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ (١).
وَإِذَا أَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً بِبَلَد آخَرَ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ: كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ، وَالْحُكْمُ عَلَى الْغَائبِ إذَا قِيلَ بِصِحَّتِهِ فَهُوَ يَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ كُلِّ ذِي حُجَّةٍ عَلَى حُجَّتِهِ، وَللْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنْ يَقْدَحَ فِي الْحُكمِ وَالشَّهَادَةِ بِمَا يَسُوغُ قَبُولُهُ؛ إمَّا الطَّعْنُ فِي الشُّهُودِ، أَو الْحُكْمِ أَو غَيْرِ ذَلِكَ.
ثمَّ الْحَاكِمُ الَّذِي حَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْوَقْفِ إنْ كَانَ مِمَن لَا يَرَى عَزْلَ الْوَكِيلِ قَبْلَ الْعِلْمِ وَقَد بَلَغَهُ ذَلِكَ: كَانَ حُكْمُهُ نَافِذًا لَا يَجُوزُ نَقْضهُ بِحَالٍ؛ بَل الْحُكْمُ النَّاقِضُ لَهُ مَرْدُودٌ.
وَإِن كَانَ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، أَو مَذْهَبُهُ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالصّحَّةِ إذَا ثَبَتَ: كَانَ وُجُودُ حُكْمِهِ كَعَدَمِهِ.
وَلَو حَكَمَ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ: لَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَكِيلِ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ مَا اسْتَوْفَاة مِن الْمَنْفَعَةِ؛ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ وَالْمُشْتَرِي مَغْرُورينِ غَرَّهُمَا الْمُوَكِّل لِعَدَمِ إعْلَامِهِ بِالْعَزْلِ؛ فَالتَّفْرِيطُ جَاءَ مِن جِهَتِهِ فَلَا يَضْمَنُ لَهُ الْمَنْفَعَةَ.
وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ قَبْضَ الثَّمَنِ وَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ بَيِّنةً بِهِ:
أ- فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ بِلَا جُعْلٍ قُبِلَ قَوْلُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُهُ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُودَعِ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى مَالِكِهَا.
ب- وَإِن كَانَ بِجُعَل فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ.
(١) أي: لا تُقبل دعوى الْمُوكّلِ أنه عزل مُوكِّلَه بعد أن تصرف ببيع أو شراء ونحوه.