وَإِنَّمَا تكونُ مُخَالِفَةً لِلْقِيَاسِ: لَو عَارَضَهَا قِيَاسُ نَصٍّ آخَرَ، وَلَيْسَ فِي سَائِر النُّصُوصِ وَأَقْيِسَتِهَا مَا يُنَاقِضُ هَذِهِ.
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: الْإِجَارَةُ إنَمَا تَكونُ عَلَى الْمَنَافِعِ دُونَ الْأَعْيَانِ: لَيْسَ هُوَ قَوْلًا للهِ وَلَا لِرَسُولِهِ وَلَا الصَّحَابَةِ وَلَا الْأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ قَالَتْهُ طَائِفَةٌ مِن النَّاسِ.
فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى الْمَنَافِعِ فَقَطْ؛ بَل الْإِجَارَةُ تَكُونُ عَلَى مَا يَتَجَدَّدُ وَيَحْدُثُ وَيُسْتَخْلَفُ بَدَلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ؛ كَمِيَاهِ الْبِئْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَو مَنْفَعَةً، كَمَا أَنَّ الْمَوْقُوفَ يَكونُ مَا يَتَجَدَّدُ، وَمَا تَحْدُثُ فَائِدَتُهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيءٍ، سَوَاءٌ كَانَت الْفَائِدَةُ مَنْفَعَةً أَو عَيْنًا؛ كَالتَّمْرِ وَاللَّبَنِ وَالْمَاءِ النَّابعِ.
وَكَذَلِكَ الْعَارَيةُ، وَهُوَ عَمَّا يَكُونُ الِانْتِفَاعُ بِمَا يَحْدُثُ وَيُسْتَخْلَفُ بَدَلُهُ.
يُقَالُ: أَفْقَرَ الظَّهْرَ، وَأَعْرَى النَّخْلَةَ، وَمَنَحَ النَّاقَةَ، فَإِذَا مَنَحَهُ النَّاقَةَ يَشْرَبُ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا، أَو أَعْرَاهُ نَخْلَة يَأْكُلُ ثَمَرَهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا، وَهُوَ مِثْلُ أَنْ يُفْقِرَهُ ظَهْرًا يَرْكَبُهُ ثُمَ يَرُدُّهُ.
وَكَذَلِكَ إكْرَاءُ الْمَرْأَةِ، أَو طَيْرٍ، أَو نَاقَةٍ، أَو بَقَرَةٍ، أَو شَاةٍ يَشْرَبُ لَبَنَهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَهُوَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ دَابَّةً يَرْكَبُ ظَهْرَهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً.
وَإِذَا تَغَيَّرَت الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ: كَانَ تَغَيُّرُ الْعَادَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ إمَّا الْفَسْخَ وَإِمَّا الْأَرْشَ.
وَكَذَلِكَ إذَا أَكْرَاهُ حَدِيقَةً يَسْتَعْمِلُهَا حَوْلاً أَو حَوْلَيْنِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا قَبلَ حَدِيقَةَ أسيد بْنِ الحضير ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَقَضَى بِهِ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ.
وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَى هَذِهِ الدَّوَابِّ فَهُوَ إجَارَةٌ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِن إجَارَةِ الظِّئْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute