للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْأَنْبِيَاءُ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ إنَّمَا كَانُوا يُعَلِّمُونَ الْعِلْمَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ؛ كَمَا قَالَ نُوحٌ - عليه السلام -: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠٩)} [الشعراء: ١٠٩] وَكَذَلِكَ قَالَ هُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَلُوطٌ وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ قَالَ خَاتَمُ الرُّسُلِ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)} [ص: ٨٦].

وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ لَمْ يَتَنَازَع الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ عَمَلٌ صَالِحٌ فَضْلًا عَن أَنْ يَكُونَ جَائِزًا؛ بَل هُوَ مِن فُرُوضِ الْكِفَايَةِ.

وَإِنَّمَا تَنَازَعَ العُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورينِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَن أَحْمَد:

إحْدَاهُمَا -وَهُوَ مَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ-: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى ذَلِكَ.

وَالثَّانِيَةُ -وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ-: أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ.

وَفِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد: أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْحَاجَةِ دُونَ الْغِنَى؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي وَليَّ الْيَتِيمِ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٦].

وَيَجَوزُ أَنْ يُعْطَى هَؤُلَاءِ مِن مَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّعْلِيمِ كَمَا يُعْطَى الْأَئِمَّةُ وَالْمُؤَذَّنُونَ وَالْقُضَاةُ وَذَلِكَ جَائِزٌ مَعَ الْحَاجَةِ.

وَهَل يَجُوزُ الارْتزَاقُ (١) مَعَ الْغِنَى؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ.

فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِن الْمُسْلِمِينَ أَنَّ عَمَلَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ بغَيْرِ أَجْرٍ لَا يَجُوزُ، وَمَن قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (٢).

لَكِنْ إنْ أَرَادَ (٣) أَنَّهُ فَقِيرٌ مَتَى عَلَّمَ بِغَيْرِ أَجْرٍ عَجَزَ عَن الْكَسْبِ لِعِيَالِهِ،


(١) أي: طلب الرّزْق، وهو الراتب الْمُعطى من الدولة.
(٢) وكثيرٌ من المتشددين والخوارج في هذا العصر يعيبون على علماء المسلمين أنهم يأخذون راتبًا وأجرًا من الدولة، ويُسمونهم علماء السلاطين، وهذا من ضلالهم وجهلِهم.
(٣) أي: هذا الرجل الْمَسؤول عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>