للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَمَّا رَأَيْته يُلِحُّ فِي الْأَمْرِ بِذَلِكَ أَغْلَظْت عَلَيْهِ فِي الْكَلَامِ وَقُلْت: دَعْ هَذَا الْفُشَارَ (١) وَقُمْ رُحْ فِي شُغْلِك، فَأَنَا مَا طَلَبْت مِنْكُمْ أَنْ تُخْرِجُونِي.

وَجَعَلَ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ لِي: أَتُخَالِفُ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ؟

فَقُلْت: أَنَا مَا قُلْت إلَّا مَا يُوَافِقُ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ، وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيَّ أَحَدٌ مِن الْحُكَّامِ إلَّا ابْنُ مَخْلُوفٍ، وَأَنْتَ كُنْت ذَلِكَ الْيَوْمَ حَاضِرًا.

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِي إلَى الْحَبْسِ: حَكَمَ بِمَا حَكَمَ بِهِ، وَأَثْبَتَ مَا أَثْبَتَ، وَأَمَرَ فِي الْكِتَابِ السُّلْطَانِيِّ بِمَا أَمَرَ بِهِ، فَهَل يَقُولُ أَحَدٌ مِن الْيَهُودِ أو النَّصَارَى- دَع الْمُسْلِمِينَ- أنَّ هَذَا حُبِسَ بِالشَّرْعِ فَضْلًا عَن أَنْ يُقَالَ: شَرْعُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ؟

وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ الصِّبْيَانُ الصِّغَارُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِشَرْعِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ.

وَهَذَا الْحَاكِمُ (٢) هُوَ وَذَوُوه دَائِمًا يَقُولُونَ: فَعَلْنَا مَا فَعَلْنَا بِشَرْعِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ.

ثُمَّ النَّصَارَى فِي حَبْسٍ حَسَنٍ، يُشْرِكُونَ فِيهِ باللهِ وَيَتَّخِذُونَ فِيهِ الْكَنَائِسَ، فَيَا لَيْتَ حَبْسنَا كَانَ مِن جِنْسِ حَبْسِ النَّصَارَى، وَيَا لَيْتَنَا سُوِّينَا بِالْمُشْرِكِينَ وَعُبَّادِ الْأوْثَانِ؛ بَل لِأولَئِكَ الْكَرَامَةُ وَلنَا الْهَوَانُ.

فَهَل يَقُولُ مَن يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِهَذَا؟

وَبِأَيِّ ذَنْبٍ حُبسَ إخْوَتِي فِي دِينِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ.

وَمَن قَالَ: إنَّ ذَلِكَ فُعِلَ بِالشَّرْعِ فَقَد كَفَرَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. [٣/ ٢٥١ - ٢٥٤]

* * *


(١) أي: الهذر وكثرة الكلام بلا فائدة.
(٢) أي: القاضي الذي حكم على الشيخ بالسجن ظلمًا وجوزًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>