أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْفَسْخَ.
وَالثَّانِي -وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَنْصُوصِ وَقِيَاس الْمَذْهَب-: أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ الْأَرْشِ كَالْبَيْعِ؛ بَل هُوَ فِي الْإِجَارَةِ أَوْكَدُ؛ لِأَنّهُ فِي الْبَيْعِ يُمْكِنُهُ الرَّدُّ وَالْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ، وَهُنَا لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهَا إلَّا مُتَغَيِّرَةً.
فَلَو قِيلَ هُنَا: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ، كَمَا نَقُولُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: إنَّ تَعَيُّبَ الْمَبِيع عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَيُوجِبُ الْأَرْشَ: لَكَانَ ذَلِكَ أَوْجَهَ وَأَقْيَسَ مِن قَوْلِ مَن يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ إذَا تَعَقَّبَ الْمَنْفَعَةَ إلَّا الرَّدُّ دُونَ الْمُطَالَبَةِ بِالْأَرْشِ، فَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا بَعِيدٌ عَن أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ.
وَعَلَى هَذَا فَإِذَا حَصَلَ مِن الضَّرَرِ- كَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالْغَرَقِ وَالْهَوَاءِ الْمُؤْذِي وَالْجَرَادِ وَالْجَلِيدِ وَالْفَأْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - مَا نَقَّصَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ الْمُعْتَادَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ بِالْعَقْدِ: فَيُصْنَعُ فِي ذَلِكَ كَمَا يُصْنَعُ فِي أَرْشِ الْمَبِيع الْمَعِيبِ: تُنْظَرُ قِيمَةُ الْأَرْضِ بِدُونِ تِلْكَ الْآفَةِ، وَقِيمَتُهَا مَعَ تِلْكَ الْآفَةِ، وَيُنْسَبُ النَّقْصُ إلَى الْقِيمَةِ الْكَامِلَةِ، وَيُحَطُّ مِن الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ بِقَدْرِ النَّقْصِ.
كَأَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهَا مَعَ السَّلَامَةِ تُسَاوِي أَلْفًا، وَمَعَ الْآفَةِ تُسَاوِي ثَمَانِمِائَةٍ؛ فَالْآفَةُ قَد نَقَّصَتْ خُمْسَ الْقِيمَةِ؛ فَيُحَطُّ خُمْسُ الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ.
وَكَذَلِكَ فِي جَائِحَةِ الثَّمَرِ: يُنْظَرُ كَمْ نَقَصَتْهُ الْجَائِحَةُ؟ هَل نَقَصَتْهُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ أَو رُبْعَهَا أَو خُمْسَهَا؟ يُحَطُّ عَنْهُ مِن الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ.
وَكَذَلِكَ لَو تَغَيَّرَ الثَّمَرٌ وَعَابَ: نُظِرَ كَمْ نَقَصَهُ ذَلِكَ الْعَيْبُ مَن قِيمَتِهِ وَحُطَّ مِن الثَّمَنِ بِنِسْبَتِهِ.
وَأَمَّا مَا قَد يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ جَائِحَةَ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأجَرَةِ تُوضَعُ مِن رَبَّ الْأَرْضِ، أَو يُوضَعُ مِن رَبِّ الْأَرْضِ بَعْضُ الزَّرْعِ قِيَاسًا عَلَى جَائِحَةِ الْمَبِيع فِي الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ: فَهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلثَّمَرِ وَالزَّرْعِ مَلَكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute