للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَخْلُقُهُ اللهُ مِن ذَلِكَ؛ بَل هُوَ مُشَابِهٌ لَهُ مِن بَعْضِ الْوُجُوهِ، لَيْسَ هُوَ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُحَرَّمٌ فِي الشَّرْعِ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ ذَلِكَ (١).

وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا اسْتِقْرَاءُ الْوُجُودِ: مِن أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَكُونُ مَصْنُوعًا، وَالْمَصْنُوعُ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا: هِيَ ثَابِتَةٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَعِنْدَ أَوَائِلِ الْمُتَفَلْسِفَةِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي الطَّبَائِعِ وَتَكَلَّمُوا فِي الْكِيمْيَاءِ (٢) وَغَيْرِهَا؛ فَإِنَّ اللهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦].

وَفِي "الصَّحِيحِ" عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فيمَا يَرْوِي عَنِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: "وَمَن أَظْلَمُ مِمَن ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً فَلْيَخْلُقُوا بَعُوضَةً" (٣).

وَأَهْلُ الْكِيمْيَاءِ مِن أَعْظَمِ النَّاسِ غِشًّا؛ وَلِهَذَا لَا يُظْهِرُونَ للنَّاس إذَا عَامَلُوهُم أَنَّ هَذَا مِن الْكِيمْيَاءِ، وَلَو أَظْهَرُوا لِلنَّاسِ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرُوهُ مِنْهُم إلَّا مَن يُرِيدُ غِشَّهُمْ.

وَقَد قَالَ الْأَئِمَّةُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَغْشُوشِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُ غِشِّهِ وَإِن بَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَغْشُوشٌ.


(١) وعلى هذا فالعود الصناعي حرام إذا بيع على أنه طبيعيّ.
(٢) جاء في المعجم الوسيط (٢/ ٨٠٨): الكيمياء: هي الْحِيلَة والحذق، وَكَانَ يُرَاد بهَا عِنْد القدماء تَحْويل بعض الْمَعَادِن إِلَى بعض.
وعلم الكيمياء عِنْدهم: علمٌ يعرف بِهِ طرق سلب الْخَواص من الْجَوَاهِر المعدنية وجلب خَاصَّة جَدِيدَة إِلَيْهَا وَلَا سِيمَا تحويلها إِلَى ذهب.
وعِنْد الْمُحدَثين: علمٌ يُبْحَث فِيهِ عَن خَواص العناصر المادية والقوانين الَّتِي تخضع لَهَا فِي الظروف الْمُخْتَلفَة، وبخاصة عِنْد اتِّحَاد بَعْضهَا بِبَعْض (التَّرْكِيب)، أَو تَخْلِيص بَعْضهَا من بعض (التَّحْلِيل). اهـ.
قلت: والشيخ يقصد بالكيمياء المعنى الأول، وهي التي تُتخذ وسيلة إلى الحيل والغش والدجل.
(٣) رواه البخاري (٥٩٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>