وَنِهَايَةُ مَا يَذْكُرُونَة جَاءَ الْقُرْآنُ بِخُلَاصَتِهِ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ، وَذَلِكَ كَالْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ الَّتِي يَذْكُرُهَا اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الروم: ٥٨]؛ فَإِنَّ الْأَمْثَالَ الْمَضْروبَةَ هِيَ "الْأَقْيِسَةُ الْعَقْلِيَّةُ"، سَوَاءٌ كَانَت قِيَاسَ شُمُولٍ أَو قِيَاسَ تَمْثِيلٍ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا: أَنَّ الْعِلْمَ الْإِلَهِيَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ فِيهِ بِقِيَاسِ تَمْثِيلٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَضلُ وَالْفَرْعُ، وَلَا بِقِيَاسٍ شُمُولِيٍّ تَسْتَوِي أَفْرَادُهُ؛ فَإِنَّ اللهَ سبحانه وتعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمَثَّلَ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ هُوَ وَغَيْرُهُ تَحْتَ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ تَسْتَوِي أَفْرَادُهَا.
وَلهَذَا لَمَّا سَلَكَ طَوَائِفُ مِن الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ مِثْل هَذِهِ الْأقْيِسَةِ فِي الْمَطَالِبِ الْإِلَهِيَّةِ: لَمْ يَصِلُوا بِهَا إلَى يَقِينٍ؛ بَل تَنَاقَضَتْ أَدِلَّتُهُمْ، وَغَلَبَ عَلَيْهِم بَعْدَ التَّنَاهِي الْحَيْرَةُ وَالِاضْطِرَابُ؛ لِمَا يَرَوْنَهُ مِن فَسَادِ أَدِلَّتِهِمْ أو تَكَافئِهَا.
وَلَكِنْ يُسْتَعْمَل فِي ذَلِكَ قِيَاسُ الْأَوْلَى، سَوَاءٌ كَانَ تَمْثِيلًا أَو شُمُولًا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: ٦٠].
مِثْل أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِلْمُمْكِنِ أَو الْمُحْدثِ لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْه مِن الْوُجُوهِ: فَالْوَاجِبُ الْقَدِيمُ أَوْلَى بِهِ.
وَكُلُّ كَمَالٍ لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْه مِن الْوُجُوهِ ثَبَتَ نَوْعُهُ لِلْمَخْلُوقِ: فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ.
وَأَنَّ كُلَّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ فِي نَفْسِهِ: فَإِنَّهُ يَجِبُ نَفْيُهُ عَن الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْأُمُورِ الْوُخودِيَّةِ مِن كُلِّ مَوْجُودٍ، وَأَمَّا الْأمُورُ الْعَدَمِيَّةُ فَالْمُمْكِنُ بِهَا أَحَقُّ وَنَحْوُ ذَلِكَ. [٣/ ٢٩٦ - ٢٩٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute