للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَذَلِكَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا (١) مِن وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ قَبْضٌ بِغَيْرِ إذْن الْمَالِكِ، وَهَذَا قَبْضٌ بِإِذْنِ الْمَالِكِ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا قَبْضٌ اقْتَضَاهُ عَقْدٌ وَإِن كَانَ فِيهِ فَسَادٌ، وَذَاكَ قَبْضٌ لَمْ يَقْتَضِهِ عَقْدٌ بِحَال؛ وَلِهَذَا نُوجِبُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

فَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ بِهِ مَوْجُودًا وَأَرَادَ الرَّدَّ: رَدَّهُ.

وَإِن كَانَ فَائِتًا: رَدَّ مِثْلَهُ إذَا أَمْكَنَ.

فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّ الْعَيْنِ أَو الْمِثْلِ: فَلَا بُدَّ مِن رَدِّ عِوَضٍ؛ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ لَيْسَ مِن ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ بَل مِن ذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَمِثْلُ: الْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَمِثْلُ: عَمَلِ الْعَامِلِ فِي الْمُشَارَكَةِ الْفَاسِدَةِ مِن الْمُسَاقَاةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَنَحْوِهَا.

فَمِن أَصْحَابِنَا مَن يُوجِبُ رَدَّ الْقِيمَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ.

وَطَرَدَ الشَّافِعِيُّ هَذَا فِي الْمُسَمَّى الْفَاسِدِ فِي النِّكَاحِ وَالْمَغْضُوبِ فَأَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ بِنَاءً عَلَى أَّنَّهُ كَانَ يَجِبُ رَدُّ الْبُضْعِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ، فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ رَدَّ بَدَلَهُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِه، وَالْجُمْهُورُ مِن أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَوْجَبُوا بَدَلَ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى مِثْلُهُ أَو قِيمَتُهُ، لَا بَدَلَ الْبُضْعِ، وَهُوَ الصَّوَابُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ هُنَا لَمْ يَفْسُدْ، فَلَمْ يَجِبْ رَدُّ الْمُسْتَحَقِّ بِهِ وَهُوَ الْبُضْعُ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ رَدُّ الْبُضْعِ لَمْ يَجِبْ رَدُّ بَدَلِهِ؛ بَل الْوَاجِبُ هُوَ إعْطَاءُ الْمُسَمَّى إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَبَدَلُهُ، فَكَانَ بَدَلُ الْمُسَمَّى هُوَ الْوَاجِبَ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى مَا تَرَاضَوْا بِهِ مِن بَدَلِ الْبُضْعِ.


(١) أي: بين الْمقَبوضِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، والْمقَبوضِ غصبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>