للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَمَّا مَن قَالَ الْحَقَّ الَّذِي أَذِنَ اللهُ فِيهِ حُكْمًا وَدَلِيلًا: فَهُوَ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.

وَأَمَّا مُخَاطَبَةُ أَهْلِ اصْطِلَاحٍ بِاصْطِلَاحِهِمْ وَلُغَتِهِمْ: فَلَيْسَ بِمَكْرُوه:

- إذَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ.

- وَكَانَت الْمَعَانِي صَحِيحَةً (١).

كَمُخَاطَبَةِ الْعَجَمِ مِن الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَالتُّرْكِ بِلُغَتِهِمْ وَعُرْفِهِمْ؛ فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ حَسَنٌ لِلْحَاجَةِ.

وَإِنَّمَا كَرِهَهُ الْأَئِمَّةُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ؛ وَلهَذَا قَالَ النَّبِيُّ لِأُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ العاص- وَكَانَت صَغِيرَةً وُلدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؛ لِأنَّ أَبَاهَا كَانَ مِن الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهَا- فَقَالَ لَهَا: "يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا" (٢).

وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْحَسَنُ؛ لِأَنَّهَا كَانَت مِن أَهْلِ هَذِهِ اللُّغَةِ.

وَكَذَلِكَ يُتَرْجَمُ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ لِمَن يَحْتَاجُ إلَى تَفْهِيمِهِ إيَّاهُ بِالتَّرْجَمَةِ.

وَكَذَلِكَ يَقْرَأُ الْمُسْلِمُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِن كُتُبِ الْأُمَمِ وَكَلَامِهِمْ بِلُغَتِهِمْ، ويُتَرْجِمُهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ لِيَقْرَأَ لَهُ ويكْتُبَ لَهُ ذَلِكَ، حَيْثُ لَمْ يَأْمَن مِن الْيَهُودِ عَلَيْهِ.

فَالسَّلَفُ وَالْأئِمَّةُ لَمْ يَكرَهُوا الْكلَامَ لِمجَرَّدِ مَا فِيهِ مِن الِاصْطِلَاحَاتِ الْمُوَلَّدَةِ؛ كَلَفْظِ الْجَوْهَرِ، وَالْعَرَضِ، وَالْجِسْم، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ بَل لأنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِيهَا مِن الْبَاطِلِ الْمَذْمُومِ فِي الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ مَا


= فالأول: الدليل الذي استدل به خطأٌ في ذاته، ولو أراد التوصل إلى نتيجة صحيحة.
والثاني: النتيجة باطلة، ولو كان الاستدلال صحيحًا في ذاته، لكنه يريد التوصل إلى باطل.
(١) هذان هما الشرطان في جواز مُخَاطَبَةِ أَهْلِ اصْطِلَاح بِاصْطِلَاحِهِمْ كالمنطق وعلم الكلام، وَلُغَتِهِمْ كاللغة الأعجمية.
(٢) رواه البخاري (٥٨٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>