للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَجَّ وَالصَّلَاةَ تَجِبُ عَلَى الْمُسْتَطِيع، سَوَاءٌ فَعَلَ أَو لَمْ يَفْعَلْ.

فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَجِبُ أَنْ تَكونَ مَعَ الْفِعْلِ.

وَالثَّانِيَةُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود: ٢٠] عَلَى قَوْلِ مَن يُفَسِّرُ الِاسْتِطَاعَةَ بِهَذِهِ.

وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِ السَّلَفِ وَالْجُمْهُورِ: فَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ مَشَقَّةُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَصُعُوبَتُهُ عَلَى نُفُوسِهِمْ، فَنُفُوسُهِم لَا تَسْتَطِيعُ إرَادَتَهُ وَإن كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى فِعْلِهِ لَو أَرَادُوهُ، وَهَذِهِ حَالُ مَن صَدَّهُ هَوَاهُ وَرَأْيُهُ الْفَاسِدُ عَن اسْتِمَاعِ كُتبِ اللهِ الْمُنَزَّلَةِ وَاتِّبَاعِهَا.

فَقَد أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الِاسْتِطَاعَةُ هِيَ الْمُقَارِنَةُ لِلْفِعْلِ الْمُوجِبَةُ لَهُ (١).

وَأمَّا النَّوْعُ الثَّانِي: فَكَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَن الْفِعْلِ لَا يُطِيقُهُ، كَمَا لَا يُطِيقُ الْأَعْمَى وَالْأَقْطَعُ وَالزَّمِنُ (٢) نَقْطَ الْمُصْحَفِ وَكِتَابَتَهُ، وَالطَّيَرَانَ؛ فَمِثْلُ هَذَا النَّوْعِ قَد اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِع فِي الشَّرِيعَةِ.

وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الْأَمْرِ بِهِ عَقْلًا (٣).


(١) وقد ذكر هذه المسألة في موضع آخر (٨/ ٢٩٠ - ٢٩٢).
(٢) أي: المريض.
(٣) ذهب الأشاعرة إلى جواز تكليف ما لا يطاق به عقلًا وإن لم يقع في الشرع، وقد أجازوه عقلًا بناء على نفيهم الحسن والقبيح العقليين، وقالوا: هذا مرجعه إلى الشريعة، فهي التي تحسن وتقبح، ولا دخل للعقل في ذلك!.
وذهب المعتزلة إلى عدم جواز تكليف ما لا يطاق؛ لأنه قبيح، والله تعالى منزه عن فعل القبيح فلا يجوز صدوره منه، وهم يرون أنّ التحسين والتقبيح يُدرك بالعقل.
والصواب في المسألة هو التفصيل، أما إطلاق القول فيها فهو من البدع المحدثة كما نص على ذلك الشيخ كما سيأتي.
وقال الشيخ في تفصيل ذلك: تكليف ما لا يطاق ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما لا يطاق للعجز عنه كتكليف الزمن المشي وتكليف الإنسان الطيران ونحو ذلك فهذا كير واقع في الشريعة عند جماهير أهل السُّنَّة المثبتين للقدر.
والثاني: ما لا يطاق للاشتغال بضده كاشتغال الكافر بالكفر؛ فإنه هو الذي صده عن=

<<  <  ج: ص:  >  >>