للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ الْيَقِينُ يَنْتَظِمُ مِنْهُ أَمْرَانِ:

أ- عِلْمُ الْقَلْبِ.

ب- وَعَمَلُ الْقَلْبِ.

فَإِنَّ الْعَبْدَ قَد يَعْلَمُ عِلْمًا جَازِمًا بِأَمْر، وَمَعَ هَذَا فَيَكُونُ فِي قَلْبِهِ حَرَكَةٌ وَاخْتِلَاجٌ مِن الْعَمَلِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الْعِلْمُ؛ كَعِلْمِ الْعَبْدِ أَنَّ اللهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ، وَلَا خَالِقَ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأ لَمْ يَكُنْ، فَهَذَا قَد تَصْحَبُهُ الطُّمَأْنِينَةُ إلَى اللهِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَقَد لَا يَصْحَبُهُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ:

- إمَّا لِغَفْلَةِ الْقَلْبِ عَن هَذَا الْعِلْمِ، وَالْغَفْلَةُ هِيَ ضِدُّ الْعِلْمِ التَّامِّ، وَإِن لَمْ تَكُنْ ضِدًّا لِأَصْلِ الْعِلْمِ.

- وَإِمَّا لِلْخَوَاطِرِ الَّتِي تَسْنَحُ (١) فِي الْقَلْبِ مِن الِالْتِفَاتِ إلَى الْأَسْبَابِ، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ.

وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "سَلُوا اللهَ الْيَقِينَ وَالْعَافِيَةَ، فَمَا أعْطِيَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ شَيْئًا خَيْرًا مِن الْعَافِيَةِ" (٢).

فَأَهْل الْيَقِينِ إذَا اُبْتُلُوا ثَبَتُوا، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّ الِابْتِلَاءَ قَد يُذْهِبُ إيمَانَهُ أَو يُنْقِصُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)} [السجدة: ٢٤].

أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)} [آل عمران:١٧٣] فَهَذِهِ حَالُ هَؤُلَاءِ.


(١) أي: تعرض وتخطر.
(٢) رواه الإمام أحمد (٥)، (١٧)، (٣٤)، وابن ماجه (٣٨٤٩)، والترمذي (٣٨٤٩) والبخاري في الأدب المفرد (٧٢٤)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>