للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإِنَّ الرَّحِمَ الْمُحَرَّمَ لَهَا أَرْبَعَة أَحْكَامٍ: حُكْمَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَحُكْمَانِ مُتَنَازَعٌ فِيهِمَا، فَلَا يَجُوزُ مِلْكُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَلَا وَطْؤُهُمَا.

فَلَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ ذَاتَ رَحِمه الْمُحَرَّم وَلَا يَتَسَرَّى بِهَا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ بَل هُنَا يَحْرُمُ مِن الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِن النَّسَبِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِنِكَاح، وَلَا مِلْكِ يَمِين، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ النِّكاحِ، فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا.

وَهَذَا أَيْضًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُمَا، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّاهُمَا، فَمَن حَرَّمَ جَمْعَهُمَا فِي النِّكَاحِ حَرَّمَ جَمْعَهُمَا فِي التَّسَرِّي، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى الْأخْتَيْنِ وَلَا الْأَمَةَ وَعَمَّتَهَا، وَالْأَمَةَ وَخَالَتَهَا.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أكْثَرِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.

قَالُوا: وَإِذَا كَانَ تَحْرِيمُ جَمْعِ الْعَدَدِ إنَّمَا حَرُمَ لِوُجُوب الْعَدْلِ فِي الْقَسْمِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الْمَمْلُوكَةِ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَسَرَّى بِأَكْثَرِ مِن أَرْبَع، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ دَفْعًا لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ بَيْنَهُمَا، وَهَذا الْمَعْنَى مَوْجُود بَيْنَ الْمَمْلُوكَتَيْنِ، كَمَا يُوجَدُ فِي الزَّوْجَتَيْنِ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِالتَّسَرِّي حَصَلَ بَيْنَهُمَا مِن التَّغَايُرِ مَا يَحْصُلُ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ فَيُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ.

وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُؤَثِّرَ فِي الشَرْعِ: جَازَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأتَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ بِلَا نَسَبٍ، أَو نَسَبٌ بِلَا حُرْمَةٍ.

فَالْأَوَّلُ: مِثْل أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَةِ زَوْجِهَا (١).

وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ؛ مِثْل بِنْتِ الْعَمِّ وَالْخَالِ: فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.


(١) تزوج رجل وله بنت من امرأة مطلقة أو متوفاة، ثم توفي، وجاء رجل وتزوج هذه المرأة المتوفى عنها، ثم تزوج بنت هذا المتوفى عنه؛ فجمع بين المرأتين اللتين بينهما حرمة بلا نسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>