وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ إذَا لَمْ يَجْعَلُوا مَا ابْتَدَعُوهُ قَوْلًا يُفَارِقُونَ بِهِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ يُوَالُونَ عَلَيْهِ وَيُعَادُونَ: كَانَ مِن نَوْعِ الْخَطَأِ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ خَطَأَهُم فِي مِثْل ذَلِكَ.
وَلهَذَا وَقَعَ فِي مِثْل هَذَا كَثِيرٌ مِن سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، لَهُم مَقَالَات قَالُوهَا بِاجْتِهَاد، وَهِيَ تُخَالِفُ مَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
بِخِلَافِ مَن وَالَى مُوَافِقَهُ وَعَادَى مُخَالِفَهُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكفَّرَ وَفَسَّقَ مُخَالِفَهُ دُونَ مُوَافِقِهِ فِي مَسَائِلِ الْآرَاءِ وَالِاجْتِهَادَاتِ، وَاسْتَحَلَّ قِتَالَ مُخَالِفِهِ دُونَ مُوَافِقِهِ: فَهَؤُلَاءِ مِن أَهْلِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافَاتِ.
وَلهَذَا كَانَ أَوَّلَ مَن فَارَقَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ مِن أَهْلِ الْبِدَعِ الْخَوَارجُ الْمَارِقُونَ.
وَقَد قَاتَلَهُم أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ أَمِيرِ الْمؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
وَقَد كَانَ أَوَّلُهُم خَرَجَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا رَأَى قِسْمَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ فَإِنَّك لَمْ تَعْدِلْ (١).
فَكَانَ مَبْدَأُ الْبِدَعِ هُوَ الطَّعْنَ فِي السُّنَّةِ بِالظَّنِّ وَالْهَوَى؛ كَمَا طَعَنَ إبْلِيسُ فِي أَمْرِ رَبِّهِ بِرَأيِهِ وَهَوَاهُ.
وَأَمَّا تَعْيِينُ الْفِرَقِ الْهَالِكَةِ فَأَقْدَمُ مَن بَلَغَنَا أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي تَضْلِيلِهِمْ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ ثُمَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَهُمَا -إمَامَانِ جَلِيلَانِ مِن أَجِلَّاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ- قَالَا: أُصُولُ الْبِدَع أَرْبَعَةٌ: الرَّوَافِضُ وَالْخَوَارجَ وَالْقَدَرِّيَة وَالْمُرْجِئَةُ، فَقِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: وَالْجَهْمِيَّة؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ أُولَئِكَ لَيْسُوا مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ.
وَفَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذَا الْبَابِ بِذِكْرِ أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْكَافِرَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِن أَهْلِ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا
(١) رواه مسلم (١٠٦٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute