للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَإِذَا كَانَت الْعَادَةُ أَنَّ الرَّجُلَ يُنْفِقُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهِ وَيَكْسُوهَا، وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَسُوغُ غَيْرُهُ لِأَوْجُهِ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُم امْرَأَةٌ قُبِلَ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَو كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا لَمْ ئقْبَل قَوْلُ الرَّجُلِ إلَّا بِبَيِّنَة، فَكَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ عَلَيْهَا كُلَّمَا أَطْعَمَهَا وَكَسَاهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ مُسْلِمٌ عَلَى عَهْدِ السَّلَفِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي هَذَا مُتَعَذِّرٌ أَو مُتَعَسِّرٌ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْإِشْهَادِ عَلَى الْوَطءِ.

وَلَا يُكَلَّفُ النَّاسُ الْإِشْهَادَ عَلَى إعْطَاءِ النَّفَقَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا بِدْعَةٌ فِي الدِّينِ، وَحَرَجٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاتِّبَاعٌ لِغَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ.

الرَّابعُ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَنَازِعُونَ: هَل يَجِبُ تَمْلِيكُ النَّفَقَةِ؛ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا شَيْئًا بَل يُطْعِمُهَا وَيَكْسُوهَا بِالْمَعْرُوفِ. هَذِهِ عَادَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخُلَفَائِهِ، لَا يُعْلَمُ قَطُّ أَنَّ رَجُلًا فَرَضَ لِزَوْجَتِهِ نَفَقَةً؛ بَل يُطْعِمُهَا وَيَكْسُوهَا.

وَكَذَلِكَ لَو أَخَذَت الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا مِن مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا نَفَقَةً: قُبِلَ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الشَّارعَ سَلَّطَهَا عَلَى ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِهِنْد: "خُذِي مَما يَكْفِيكْ وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ" لَمَّا قَالَتْ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مِن النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي (١).

وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الزَّوْجُ مُسَافِرًا عَنْهَا مُدَّةً وَهِيَ مُقِيمَةٌ فِي بَيْتِ أَبِيهَا وَادَّعَتْ


(١) رواه البخاري (٥٣٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>