للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَفَهِمَ مِنْهُ طَائِفَةٌ مِن الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الطَّلَاقَ قَد لَزِمَهُ فَأمَرَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا، ثمَّ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ إنْ شَاءَ.

وَفَهِمَ طَائِفَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَارَقَهَا بِبَدَنِهِ كَمَا جَرَت الْعَادَةُ مِن الرَّجُلِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اعْتَزَلَهَا بِبَدَنِهِ وَاعْتَزَلَتْهُ ببَدَنِهَا، فَقَالَ لِعُمَرِ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا"، وَلَمْ يَقُلْ: "فَلْيَرْتَجِعْهَا"، وَالْمُرَاجَعَةَ مُفَاعَلَةٌ مِن الْجَانِبَيْنِ؛ أَيْ: تَرْجِعُ إلَيْهِ بِبَدَنِهَا فَيَجْتَمِعَانِ كَمَا كَانَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ، فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي أَبَاحَ اللّهُ فِيهِ الطَّلَاقَ طَلَّقَهَا حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ.

قَالَ هَؤُلَاءِ: وَلَو كَانَ الطَّلَاقُ قَد لَزِمَ لَمْ يَكُن فِي الْأَمْرِ بِالرَّجْعَةِ لِيُطَلِّقَهَا طَلْقَةً ثَانِيَهً فَائِدَةٌ؛ بَل فِيهِ مَضَرَّة عَلَيْهِمَا؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ مَعَ الْأَوَّلِ تَكْثِيرُ الطَّلَاقِ، وَتَطْوِيلُ الْعِدَّةِ، وَتَعْذِيبُ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا.

وَقَوْلُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَشْبَهُ بِالْأصُولِ وَالنُّصُوصِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُتَنَاقِضٌ؛ إذ الْأصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ: أَنَّ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودَ الْمُحَرَّمَةَ إذَا فُعِلَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً صَحِيحَة، وَهَذَا وَإِن كَانَ نَازَعَ فِيهِ طَائِفَة مِن أَهْلِ الْكلَامِ، فَالصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَانِ كَانُوا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى فَسَادِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَةِ (١) بِتَحْرِيمِ الشَّارعِ لَهَا، وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُمْ.

وَأَيْضًا: فَإِنْ لَمْ يَكن ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِهَا لَمْ يَكُن عَن الشَّارعِ مَا يُبَيِّنُ الصَّحِيحَ مِن الْفَاسِدِ، فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا: النَّهْيُ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ قَالُوا: نَعْلَمُ صِحَّةَ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ وَفَسَادَهَا بِجَعْلِ الشَارعِ هَذَا شَرْطًا أَو مَانِعًا وَنَحْو ذَلِكَ.


(١) هكذا في جميع المصادر، ولا معنى لها، ولعل الصواب: والعقودِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>