الْمُطَلِّقُ يَنْدَمُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَى رَجْعَتِهَا، فَيَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ، وَاللهُ أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا يَنْفَعُهُم وَنَهَاهُم عَمَّا يَضُرُّهُمْ؛ وَلهَذَا قَالَ تَعَالَى أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا يَكُونُ فِي الثَّلَاثِ وَلَا فِي الْبَائِنِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: ٢] فَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا مَأْمُورٌ بِهِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ.
وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ حِينَ قَال: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْمُفَارَقَةِ: تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا إذَا قَضَت الْعِدَّةَ، وَهَذَا لَيْسَ بِطَلَاق وَلَا بِرَجْعَة وَلَا نِكَاحٍ.
وَالْإِشْهَادُ فِي هَذَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الرَّجْعَةِ.
وَمِن حِكْمَةِ ذَلِكَ: أَنَّهُ قَد يُطَلّقُهَا وَيَرْتَجِعُهَا فَيُزَيِّنُ لَهُ الشَّيْطَان كِتْمَانَ ذَلِكَ حَتَّى يُطَلّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَاقًا مُحَرِّمًا وَلَا يَدْرِي أَحَدٌ، فَتَكُونُ مَعَهُ حَرَامًا، فَأَمَرَ اللهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الرَّجْعَةِ؛ لِيُظْهِرَ أَنَّهُ قَد وَقَعَتْ بِهِ طَلْقَةٌ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَن وَجَدَ اللُّقَطَةَ انْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا؛ لِئَلَّا يُزَيِّنَ الشَّيْطَانُ كِتْمَانَ اللُّقَطَةِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا؛ بَل خَلَّى سَبِيلَهَا فَإِنَّهُ يَظْهَرُ لِلنَّاسِ أنَّهَا لَيْسَت امْرَأَتَهُ؛ بَل هِيَ مُطَلَّقَةٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَتْ زَوْجَةً عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي النَّاسُ أطَلَّقَهَا أَمْ لَمْ يُطَلِّقْهَا. [٣٣/ ٣٣ - ٣٤]
* * *
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute