٥ ثُمَّ أَرْسَلَ جَيْشًا إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَحَاصَرُوا مَكَّةَ، وَتوُفِّيَ يَزِيدُ وَهُم مُحَاصِرُونَ مَكَّةَ، وَهَذَا مِن الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ الَّذِي فُعِلَ بِأَمْرِهِ.
وَلهَذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يُسَبُّ وَلَا يُحَبُّ، قَالَ صَالِحُ بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قُلْت لِأَبِي: إنَّ قَوْمًا يَقُوُلونَ: إنَّهُم يُحِبُّونَ يَزِيدَ، قَالَ: يَا بُنَيَّ وَهَل يُحِبُّ يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟
فَقُلْت: يَا أَبَتِ فَلِمَاذَا لَا تلعنه؟
قَالَ: وَمَتَى رَأَيْت أَبَاك يَلْعَنُ أَحَدًا؟
فَيَزِيدُ عِنْدَ عُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَلِكٌ مِن الْمُلُوكِ، لَا يُحِبُّونَهُ مَحَبَّةَ الصَّالِحِينَ وَأَوْليَاءِ اللهِ، وَلَا يَسُبُّونَهُ؛ فَإِنَّهُم لَا يُحِبُّونَ لَعْنَةَ الْمُسْلِمِ الْمُعينِ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" (١) عَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا، وَكَانَ يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَكَانَ كُلَّمَا أُتِيَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ضَرَبَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَعَنَهُ الله مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَلْعَنْهُ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ".
وَمَعَ هَذَا فَطَائِفَةٌ مِن أَهْلِ السُّنَّةِ يُجِيزُونَ لَعْنَهُ؛ لِأنَّهُم يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ فَعَلَ مِن الظُّلْمِ مَا يَجُوزُ لَعْنُ فَاعِلِهِ.
وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تَرَى مَحَبَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَوَلَّى عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَبَايَعَهُ الصَّحَابَةُ، وَيقُوُلُونَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ، وَكَانَت لَهُ مَحَاسِنُ، أَو كَانَ مُجْتَهِدًا فِيمَا فَعَلَه.
وَالصَّوَابُ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ: مِن أَنَّهُ لَا يُخَصُّ بِمَحَبَّةٍ وَلَا يُلْعَنُ.
وَمَعَ هَذَا فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَو ظَالِمًا فَاللَّهُ يَغْفِرُ لِلْفَاسِقِ وَالظَّالِمِ لَا سِيَّمَا إذَا أَتَى بِحَسَنَات عَظِيمَةٍ.
(١) (٦٧٨٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute