للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ لِمَن عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَفَعَلَهُ، فَأَمَّا مَن لَا يَعْلَمُ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ وَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا، فَإِنَّهُ إذَا عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ تَابَ مِن عَوْدِهِ إلَيْهِ وَالْتَزَمَ أَلَّا يَفْعَلَهُ.

وَالَّذِينَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَجْعَلُ ثَلَاثَتَهُم وَاحِدَةً فِي حَيَاتِهِ: كَانُوا يَتُوبُونَ، وَكَذَلِكَ مَن طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ كَمَا طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ، فَكَانُوا يَتُوبُونَ فَيَصِيرُونَ مُتَّقِينَ، وَمَن لَمْ يَتُبْ فَهُوَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَ: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)} [الحجرات: ١١]، فَحَصَرَ الظُّلْمَ فِيمَن لَمْ يَتُبْ، فَمَن تَابَ فَلَيْسَ بِظَالِمٍ فَلَا يُجْعَلُ مُتَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللهِ؛ بَل وُجُودُ قَوْلِهِ كَعَدَمِهِ، وَمَن لَمْ يَتُبْ فَهُوَ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ (١).

فَعُمَرُ عَاقَبَهُم بِالْإِلْزَامِ وَلَمْ يَكُن هُنَاكَ تَحْلِيلٌ، فَكَانُوا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ النِّسَاءَ يَحْرُمْنَ عَلَيْهِم لَا يَقَعُونَ فِي الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ، فَانْكَفُّوا بِذَلِكَ عَن تَعَدِّي حُدُودِ اللّهِ، فَإِذَا صَارُوا يُوقِعُونَ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ ثُمَّ يَرُدُّونَ النِّسَاءَ بِالتَّحْلِيلِ الْمُحَرَّمِ: صَارُوا يَفْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ مَرَّتَيْنِ وَيَتَعَدَّوْنَ حُدُودَ اللّهِ مَرَّتَيْنِ؛ بَل ثَلَاثًا؛ بَل أَرْبَعًا.

فَلَمْ يَحْصُلْ بِالاِلْتِزَامِ فِي هَذِهِ الْحَالِ انْكِفَافٌ عَن تَعَدِّي حُدُودِ اللّهِ؛ بَل زَادَ التَّعَدِّي لِحُدُودِ اللهِ فَتَرْكُ الْتِزَامِهِمْ بِذَلِكَ -وَإِن كَانُوا ظَالِمِينَ غَيْرَ تَائِبِينَ- خَيْرٌ مِن إلْزَامِهِمْ بِهِ.

أمَّا إذَا كَانُوا يَتقُونَ اللّهَ وَيَتُوبُونَ: فَلَا رَيْبَ أَنَّ تَرْكَ الْإِلْزَامِ -كَمَا كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبِي بَكْرٍ- خَيْرٌ.


(١) فلا يقع طلاقه لامرأته وهي حائض ولا في طهر جامعها فيه إذا تاب، ولا يقع ما زاد على الثلاث، أما إذا لم يتب فقال الشيخ: هو محل اجتهاد؛ يعني: ينبغي حصر الخلاف في وقوع الطلاق في هذه الحالات إذا لم يتب المطلق طلاقًا بدعيًّا، والشيخ رحمه الله تعالى نصر القول بعدم وقوعه مطلقًا؛ لِمَا سيذكره بعد ذلك من الحجج والبراهين.

<<  <  ج: ص:  >  >>