للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَعِنْدِي رَجُلٌ، فَقَالَ: "مَن هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ " قُلْت: أَخِي مِن الرَّضَاعَةِ، قَالَ: "يَا عَائِشَةُ اُنْظُرْنَ مَن إخْوَانُكُنَّ؟ إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِن الْمَجَاعَةِ".

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ (١) عَن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَحْرُمُ مِن الرَّضَاعَةِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ في الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ".

وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي "الثَّدْيِ"؛ أَيْ: وَقْتُهُ وَهُوَ الْحَوْلَانِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إنَّ ابْني إبْرَاهِيمَ مَاتَ فِي الثَّدْيِ" (٢)؛ أَيْ: وَهُوَ فِي زَمَنِ الرَّضَاعِ.

وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ وَلَا بَعْدَ الْفِطَامِ وَإِن كَانَ الْفِطَامُ قَبْلَ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ.

وَقَد ذَهَبَ طَائِفَة مِن السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّ إرْضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" (٣) وَغَيْرِهِ عَن زينَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- أُسْوَة؟ إِنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إِنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ، وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَرْضِعِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ".

وَفِي رِوَايَةٍ لِمَالِك فِي "الْمُوَطَّأِ" (٤) قَالَ: "أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ"، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهِ مِن الرَّضَاعَةِ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخَذَتْ بِهِ عَائِشَةُ، وَأَبَى غَيْرُهَا مِن أَزْوَاج النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَأْخُذْنَ بِهِ، مَعَ أَنَّ عَائِشَةَ رَوَتْ عَنْهُ [أنه] (٥) قَالَ: "الرَّضَاعَةُ مِن المَجَاعَةِ".

لَكِنَّهَا رَأَت الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ رَضَاعَةً أَو تَغْذِيَةً، فَمَتَى كَانَ الْمَقْصُودُ الثَّانِي لَمْ يُحَرِّمْ إلَّا مَا كَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ، وَهَذَا هُوَ إرْضَاعُ عَامَّةِ النَّاسِ.


(١) (١١٥٢).
(٢) رواه مسلم (٢٣١٦).
(٣) (١٤٥٣).
(٤) (١٧٧٥).
(٥) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل، ولعله أصوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>