للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَنْبَلٍ، وَقَالُوا: إذَا اخْتَارَ الْأُمَّ كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا، وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَيَكُونُ عِنْدَ الْأَبِ لِيُعَلِّمَهُ ويُؤَدِّبَهُ.

فَأَمَّا الْبِنْتُ إذَا خُيِّرَتْ فَكَانَت عِنْدَ الْأُمِّ تَارَةً وَعِنْدَ الْأَبِ تَارَةً: أَفْضَى ذَلِكَ إلَى كَثْرَةِ بُرُوزِهَا وَتَبَرُّجِهَا وَانْتِقَالِهَا مِن مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ، وَلَا يَبْقَى الْأَث مُوَكَّلًا بِحِفْظِهَا، وَلَا الْأُمُّ مُوَكَّلَةً بِحِفْظِهَا، وَقَد عُرِفَ بِالْعَادَةِ أَنَّ مَا يَتَنَاوَبُ النَّاسُ عَلَى حِفْظِهِ ضَاعَ، وَمِن الْأَمْثَالِ السَّائِرَةِ: "لَا يَصْلُحُ الْقِدْرُ بَيْنَ طَبَّاخَيْنِ".

وَأَيْضًا: فَاخْتِيَارُ أَحَدِهِمَا يُضْعِفُ رَغْبَةَ الْآخَرِ فِي الْإِحْسَانِ وَالصِّيَانَةِ، فَلَا يَبْقَى الْأَبُ تَامَّ الرَّغْبَةِ، وَلَا الْأمُّ تَامَّةَ الرَّغْبَةِ فِي حِفْظِهَا، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى كَمَا قَالَت امْرَأَةُ عِمْرَانَ .. وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ بِالتَّجْرِبَةِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ مِن الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الصَّبِيُّ.

فَكَانَ الْأَصْلَحُ لَهَا أَنْ تُجْعَلَ عِنْدَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا، لَا تُمَكَّنُ مِن التَّخْيِيرِ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ: مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمْ.

وَلَيْسَ فِي تَخْيِيرِهَا نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ.

وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ تَخْيِيرِهَا وَتَخْيِيرِ الِابْنِ، لَا سِيَّمَا وَالذَّكَرُ مَحْبُوبٌ مَرْغُوبٌ، وَالْبِنْتُ مَزْهُودٌ فِيهَا، فَأَحَدُ الْوَالِدَيْنِ قَد يَزْهَدُ فِيهَا مَعَ رَغْبَتِهَا فِيهِ، فَكَيْفَ مَعَ زُهْدِهَا فِيهِ؟ فَالْأَصْلَحُ لَهَا لُزُومُ أَحَدِهِمَا لَا التَّرَدُّدُ بَيْنَهُمَا.

ثُمَّ هُنَاكَ يَحْصُلُ الِاجْتِهَادُ فِي تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا: فَمَن عَيَّنَ الْأمَّ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يُرَاعُوا مَعَ ذَلِكَ صِيَانَةَ الْأمِّ لَهَا.

وَأَحْمَد وَأَصْحَابُهُ إنَّمَا يُقَدِّمُونَ الْأَبَ إذَا لَمْ يَكُن عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ حِرْز.

فَكُلُّ مَن قَدَّمْنَاهُ مِن الْأَبَوَيْنِ إنَّمَا نُقَدِّمُهُ إذَا حَصَلَ بِهِ مَصْلَحَتُهَا، أَو انْدَفَعَتْ بِهِ مَفْسَدَتُهَا.

فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ فَسَادِ أَمْرِهَا مَعَ أَحَدِهِمَا: فَالْآخَرُ أَوْلَى بِهَا بِلَا ريبٍ، حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>