للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذ لَا يَجُوز التَّوَاطُؤُ عَلَى كِتْمَانِ مَا يُحْتَاجُ إلَى نَقْلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ لِجَرَيَانِ ذَلِكَ فِي الْقُبْحِ مَجْرَى التَّوَاطُؤِ عَلَى نَقْلِ الْكَذِبِ وَفِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ.

بَل بَلَغَ مِن مُبَالَغَتِهِمْ فِي السُّكُوتِ عَن هَذَا: أَنَّهُم كَانُوا إذَا رَأَوْا مَن يَسْأَلُ عَن الْمُتَشَابِهِ بَالَغُوا فِي كَفِّهِ:

- تَارَةً بِالْقَوْلِ الْعَنِيفِ.

- وَتَارَةً بِالضَّرْبِ.

- وَتَارَةً بِالْإِعْرَاضِ الدَّالِّ عَلَى شِدَّةِ الْكَرَاهَةِ لِمَسْأَلَتِهِ.

وَلَمَّا سُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥] كَيْفَ اسْتَوَى؟

فَأَطْرَقَ مَالِكٌ وَعَلَاهُ الرُّحَضَاءُ -يَعْنِي الْعَرَقَ- وَانْتَظَرَ الْقَوْمُ مَا يَجِيءُ مِنْهُ فِيهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّائِلِ وَقَالَ: "الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَأَحْسَبُك رَجُلُ سُوْءٍ"، وَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ.

وَهَذَا الْجَوَابُ مِن مَالِكٍ رَحِمَه الله فِي الِاسْتِوَاءِ شَافٍ كَافٍ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ؛ مِثْل النُّزُولِ، وَالْمَجِيءِ، وَالْيَدِ، وَالْوَجْهِ، وَغَيْرِهَا.

فَيُقَالُ فِي مِثْل النُّزولِ: النُّزُولُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ.

وَهَكَذَا يُقَالُ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ؛ إذ هِيَ بِمَثَابَةِ الِاسْتِوَاءِ الْوَارِدِ بهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

وَثَبَتَ عَن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ -صَاحِبِ أَبِي حَنيفَةَ- أَنَّهُ قَالَ: "اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُم مِن الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الثِّقَاتُ عَن رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي صِفَةِ الرَّبِّ عزَّ وجلَّ مِن غَيْرِ تَفْسِيرٍ وَلَا وَصْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، فَمَن فَسَّرَ شَيْئًا مِن ذَلِكَ فَقَد خَرَجَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>