للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذِهِ الْحَشِيشَةِ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا بَلَغَنَا أَنَّهَا ظَهَرَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَائِلِ السَّابِعَةِ، حَيْثُ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التتر، وَكَانَ ظُهُورُهَا مَعَ ظُهُورِ سَيْفِ جنكسخان لَمَّا أَظْهَرَ النَّاسُ مَا نَهَاهُم اللهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ مِن الذُّنُوبِ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِم الْعَدُوَّ (١)، وَكَانَت هَذِهِ الْحَشِيشَةُ الْمَلْعُونَةُ مِن أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ، وَهِيَ شَرٌّ مِن الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ مِن بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَالْمُسْكِرُ شَرٌّ مِنْهَا مِن وَجْهٍ آخَرَ، فَإِنَّهَا مَعَ أَنَّهَا تُسْكِرُ آكِلَهَا: تُورِثُ التَّخْنِيثَ والديوثة، وَتُفْسِدُ الْمِزَاجَ، وَتُوجِبُ كَثْرَةَ الْأَكْلِ، وَتُورِثُ الْجُنُونَ، وَكَثِيرٌ مِن النَّاسِ صَارَ مَجْنُونًا بِسَبَبِ أَكْلِهَا.

وَمَن كَانَ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ جَاهِلًا .. فَإِنَّهُ مَا يَعْرِفُ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَالسُّكْرُ مِنْهَا حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ وَلَمْ يُقِرَّ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَافِرًا مُرْتَدًّا. [٣٤/ ٢٠٤ - ٢٠٥، ٢١١]

٤٨٨٥ - وَسُئِلَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: عَن جَمَاعَةٍ مِن الْمُسْلِمِينَ رِجَالٍ كُهُولٍ وَشُبَّانٍ وَهُم حُجَّاجٌ مُوَاظِبُونَ عَلَى أَدَاءِ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِم مِن صَوْم وَصَلَاةٍ وَعِبَادَةٍ .. وَقَد اجْتَمَعَتْ عُقُولُهُم وَأَذْهَانُهُم وَرَأيُهُم عَلَى أَكْلِ الْغُبَيْرَاء (٢)، وَكَانَ قَوْلُهُم وَاعْتِقَادُهُم فِيهَا أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَسَيِّئَةٌ .. غَيْرَ أَنَّ لَهُم وِرْدًا بِاللَّيْلِ وَتَعَبُّدَاتٍ وَيزْعُمُونَ أَنَّهَا إذَا حَصَلَتْ نَشْوَتُهَا بِرُؤُوسِهِمْ تَأَمُرُهُم بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ وَلَا تَأَمُرُهُم بِسُوء وَلَا فَاحِشَةٍ .. أَفْتُونَا.

فَأَجَابَ: يَجِبُ عَلَى آكِلِهَا حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ، وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ ضُلَّالٌ جُهَّالٌ عُصَاةٌ للهِ وَلرَسُولِهِ، وَكَفَى بِرَجُلٍ جَهْلًا أَنْ يَعْرِفَ بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ، وَأَنَّهُ


(١) وهذه سُنَّة الله تعالى في عباده، وما نراه اليوم من ذلِّ المسلمين وتفرقِهم وتسلُّطِ الأعداء عليهم تقتيلًا وتشريدًا واحتلالًا لأراضيهم، وسرقة أموالهم، والتحكم بقراراتهم: إنما بسبب تخليهم عن دينهم والاعتزاز به، وعدمِ الأخذِ بأسباب القوة والنصر.
(٢) هو شَرَابٌ تَتَّخِذُهُ الْحَبَشُ مِنَ الذُّرَةِ يُسْكِرُ. يُنظر: النهاية في غريب الحديث، ومختار الصحاح، مادة: (غَبَرَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>