للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَد بَسَطْنَا الْآثَارَ عَنْهُم فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ، وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِ أَحْمَد وَأُصُولِهِ؛ فَإِنَّ أَصْلَهُ أَنَّ مَا لَمْ يُقَدِّرْهُ الشَّارعُ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، وَهَذَا لَمْ يُقَدِّرْهُ الشَّارعُ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩].

وَقَد تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأُدْمِ: هَل هُوَ وَاجِبٌ أَو مُسْتَحَبٌّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُطْعِمُ أَهْلَهُ بِأُدُم أطْعَمَ الْمَسَاكِينَ بِأُدُمِ، وَإِن كَانَ إنَّمَا يُطْعِمُ بِلَا أُدْم لَمْ يَكُن لَهُ أَنْ يُفَضِّلَ الْمَسَاكِينَ عَلَى أَهْلِهِ؛ بَل يُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ مِن أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ.

وَإِذَا جَمَعَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ وَعَشَّاهُم خُبْزًا وَأُدْمًا مِن أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أكْثَرِ السَّلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي الدَّلِيلِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِإِطْعَامِ، لَمْ يُوجِب التَّمْلِيكَ، وَهَذَا إطْعَامٌ حَقِيقَةً (١).

وَأَمَّا التَّصَرُّفُ بِمَا شَاءَ فَاللهُ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ إنَّمَا أَوْجَبَ فِيهَا التَّمْلِيكَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا بِاللَّامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠]، وَلهَذَا حَيْثُ ذَكَرَ اللهُ التَّصَرُّفَ بِحَرْفِ الظَّرْفِ؛ كَقَوْلِهِ: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: ٦٠]، {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٦٠]: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّمْلِيكُ؛ بَل يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَ مِن الزَّكَاةِ وَإِن لَمْ يَكُن ذَلِكَ تَمْلِيكًا لِلْمُعْتَقِ، وَيجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا سِلَاحًا يُعِينُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. [٣٥/ ٣٤٩ - ٣٥٣]

* * *


(١) بخلاف الزكاة على الفقراء والمساكين، فلا يجوز ذلك؛ لأن الواجب فيها التمليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>