للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَاَلَّذِي عَلَى السُّلْطَانِ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ:

أ - إمَّا أَنْ يَحْمِلَهُم كُلَّهُم عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩].

وَإِذَا تَنَازَعُوا فَهِمَ كلَامهُم إنْ كَانَ مِمَن يُمْكِنُهُ فَهْمُ الْحَقِّ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ دَعا النَّاسَ إلَيْهِ.

ب - وَأَنْ يُقِرَّ النَّاسَ عَلَى مَا هُم عَلَيْهِ، كَمَا يُقِرَّهُم عَلَى مَذَاهِبِهِم الْعَمَلِيَّةِ. فَأَمَّا إذَا كَانَت الْبِدْعَةُ ظَاهِرَةً -تَعْرِفُ الْعَامَّةُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلشَّرِيعَةِ- كَبِدْعَةِ الْخَوَارجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْقَدَرَيَّةِ وَالْجَهْمِيَّة: فَهَذِهِ عَلَى السُّلْطَانِ إنْكَارُهَا؛ لِأَنَّ عِلْمَهَا عَامٌّ.

كَمَا عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ عَلَى مَن يَسْتَحِلُّ الْفَوَاحِشَ وَالْخَمْرَ وَتَرْكَ الصَّلَاةِ وَنَحْو ذَلِكَ.

وَمَعَ هَذَا فَقَدَ يَكْثُرُ أَهْلُ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ فِي بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ حَتَّى يَصِيرَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ كَلَامِهِمْ مُكَافِئًا -عِنْدَ الْجُهَّالِ- لِكَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ، حَتَّى يَشْتَبِهَ الْأَمْرُ عَلَى مَن يَتَوَلَّى أَمْرَ هَؤُلَاءِ، فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى مَن يَقُومُ بِإِظْهَارِ حُجَّةِ اللهِ وَتَبْيِينِهَا حَتَّى تَكُونَ الْعُقُوبَةُ بَعْدَ الْحُجَّةِ.

وَإِلَّا فَالْعُقُوبَةُ قَبْلَ الْحُجَّه لَيْسَتْ مَشْرُوعَة، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥].

وَأَمَّا إلْزَامُ السُّلْطَانِ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ بِالْتِزَامِ قَوْلٍ بِلَا حُجَّةٍ مِن الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُفِيدُ حُكْمُ حَاكِمٍ بِصِحَّةِ قَوْلٍ دُونَ قَوْلٍ فِي مِثْل ذَلِكَ، إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ حُجَّةٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا، فَيَكُونُ كَلَامُهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَبَعْدَهَا سَوَاءً، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكُتُبِ الَّتِي يُصَنِّفُهَا فِي الْعِلْمِ.

نَعَمْ، الْوِلَايَةُ قَد تُمَكِّنُهُ مِن قَوْلِ حَقٍّ وَنَشْرِ عِلْمٍ قَد كَانَ يَعْجِزُ عَنْهُ بِدُونِهَا، وَبَابُ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ غَيْرُ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَعَدَمِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>