للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصَّ أَنَّ أَحَدًا لَا يُعْطَى بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ.

وَنَصَّ فِي أَنَّ الدَّعْوَى الْمُتَضَمِّنَةَ لِلْإِعْطَاءِ تَجِبُ فِيهَا الْيَمِينُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الدَّعَاوَى الْمُوجِبَةَ لِلْعُقُوبَاتِ لَا تُوجِبُ إلَّا الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (١).

وَقَد ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" (٢) عَن ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَضَى بِشَاهِد وَيمِينٍ.

[وَابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ الَّذِي رَوَى عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" وَهُوَ الَّذِي: رَوَى أَنَّهُ "قَضَى بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ" وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ بَل هَذَا فِي دَعْوَى، وَهَذَا فِي دَعْوَى] (٣).

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ: "الْبَيِّنَةُ عَلَى مَن ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَن أَنْكَرَ" (٤): فَهَذَا قَد رُوِيَ، وَلَكِنْ لَيْسَ إسْنَادُهُ فِي الصَّحَّةِ وَالشُّهْرَةِ مِثْل غَيْرِهِ، وَلَا رَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا قَالَ بِعُمُومِهِ أَحَدٌ مِن عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، إلَّا طَائِفَةٌ مِن فُقَهَاءِ الْكوفَةِ، مِثْل أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُم يَرَوْنَ الْيَمِينَ دَائِمًا فِي جَانِبِ الْمُنْكِرِ، حَتَّى فِي الْقَسَامَةِ، يُحَلِّفُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يَقْضُونَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَا يَرُدُّونَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي عِنْدَ النُّكُولِ، وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ.


(١) ومن المعلوم في القسامة أن المدعين يحلفون خمسين يمينًا، مع أنهم هم المدعون.
(٢) (١٧١٢).
(٣) ما بين المعقوفتين من كتاب الطرق الحكمية لابن القيِّم (٨٣)، الذي نُقل كلام الشيخِ منه، وفي الأصل: وَابْنُ عَبَّاسٍ الَّذِي يَرْوِي عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- "أَنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ"، وَأنَّ هَذَا قَضَى بِهِ فِي دَعَاوَى، وَقَضَى بِهَذَا فِي دَعَاوَى.
والمثبت أصوب وأوضح.
(٤) صحَّحه الألباني في الإرواء (٢٦٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>