للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ أَنَّ الْأَنْصَارَ: قَالُوا: كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ (١)؟

وَهَذَا الْقَسَمُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا: أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، إذ لَمْ يَأْتِ الْمُدَّعِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَهِيَ الْبَيِّنَةُ.

لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي هِيَ الْحُجَّة الشَّرْعِيَّةُ:

أ - تَارَةً تَكُونُ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ.

ب - وَتَارَةً تَكُونُ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ.

ج - وَتَارَةً أَرْبَعَةُ رِجَالٍ.

د - وَتَارَةً ثَلَاثَةٌ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِن الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ فِي دَعْوَى إفْلَاسِ مَن عُلِمَ لَهُ مَالٌ مُتَقَدِّمٌ، كَمَا ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" (٢) مِن حَدِيثِ قَبِيصةَ بْنِ مُخَارِقٍ قَالَ: "لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلةُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاَثةٍ: رَجُل تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِن عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، حَتَّى يَقُومَ ثَلَاَثَةُ مِن ذَوِي الْحِجَا مِن قَوْمِهِ يَقُوُلونَ: لَقَد أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِن عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا".

فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ أَقَلُّ مِن ثَلَاثَةٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ الْإِعْسَارَ مِن الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي تَقْوَى فِيهَا التُّهْمَةُ بِإِخْفَاءِ الْمَالِ، فَرُوعِيَ فِيهَا الزِّيَادَةُ فِي الْبَيِّنَةِ، وَجُعِلَتْ بَيْنَ مَرْتَبَةِ أَعْلَى الْبَيِّنَاتِ وَمَرْتَبَةِ أَدْنَى الْبَيِّنَاتِ.

هـ - وَتَارَةً تَكُونُ الْحُجَّةُ شَاهِدًا وَيمِينُ الطَّالِبِ.


(١) وفيه أن الرجل قال عن المدعى عليه بأنه فاجر، وهذا قدح فيه، ومع ذلك لم يُنكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن مقام الدعاوى والشكاوى من المواضع التي تجوز فيها الغيبة بشروطها.
(٢) (١٠٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>