للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَا قِيَامَ لِلدِّينِ وَلَا لِلدُّنْيَا إلَّا بِهَا، فَإِنَّ بَنِي آدَمَ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُم إلَّا بِالِاجْتِمَاعِ لِحَاجَةِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ، وَلَا بُدَّ لَهُم عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مِن رَأسٍ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا خَرَجَ ثَلَاَثةٌ في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ" (١).

وَلهَذَا كَانَ السَّلَفُ -كالْفُضَيْل بْنِ عِيَاضٍ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا- يَقُولُونَ: لَو كَانَ لَنَا دَعْوَةٌ مُجَابَةٌ لَدَعَوْنَا بِهَا لِلسُّلْطَانِ. [٢٨/ ٣٩٠ - ٣٩١]

٥١٨٠ - إِن انْفَرَدَ السُّلْطَانُ عَن الدِّينِ، أَو الدِّينُ عَن السُّلْطَانِ: فَسَدَتْ أَحْوَالُ النَّاسِ (٢). [٢٨/ ٣٩٤]

٥١٨١ - لَمَّا غَلَبَ عَلَى كَثِير مِن وُلَاةِ الْأُمُورِ إرَادَةُ الْمَالِ وَالشَّرَفِ، وَصَارُوا بِمَعْزِل عَن حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ فِي وِلَايَتِهِمْ: رَأَى كَثِيرٌ مِن النَّاسِ أَنَّ الْإِمَارَةَ تُنَافِي الْإِيمَانَ وَكَمَالَ الدِّينِ، ثمَّ مِنْهُم مَن غَلَّبَ الدِّينَ وَأَعْرَضَ عَمَّا لَا يَتِمُّ الدِّينُ إلَّا بِهِ مِن ذَلِكَ، وَمِنْهُم مَن رَأَى حَاجَتَهُ إلَى ذَلِكَ، فَأخَذَهُ مُعْرضًا عَن الدِّينِ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مُنَافٍ لِذَلِكَ، وَصَارَ الدِّينُ عِنْدَهُ فِي مَحَلّ الرَّحْمَةِ وَالذُّلِّ، لَا فِي مَحَل الْعُلُوّ وَالْعِزِّ.

وَكَذَلِكَ لَمَّا غَلَبَ عَلَى كَثِيرٍ مِن أَهْلِ الدِّينِ الْعَجْزُ عَن تَكْمِيلِ الدِّينِ وَالْجَزَعُ لِمَا قَد يُصِيبُهُم فِي إقَامَتِهِ مِن الْبَلَاءِ: اسْتَضْعَفَ طَرِيقَتَهُم وَاسْتَذَلَّهَا مَن رَأَى أَنَّهُ لَا تَقُومُ مَصْلَحَتُهُ وَمَصْلَحَةُ غَيْرِهِ بِهَا، وَهَاتَانِ السَّبِيلَانِ الْفَاسِدَتَانِ:

أ- سَبِيلُ مَن انْتَسَبَ إلَى الّدين وَلَمْ يُكَمِّلْهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنَ السُّلْطَانِ وَالْجِهَادِ وَالْمَالِ.

ب- وَسَبِيلُ مَن أَقْبَلَ عَلَى السُّلْطَانِ وَالْمَالِ وَالْحَرْبِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إقَامَةَ الدِّينِ. [٢٨/ ٣٩٤ - ٣٩٥]


(١) رواه أبو داود (٢٦٠٨)، وقال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح.
(٢) أي: إذا كان السلطان بمعزل عن الدين وعلماء الإسلام، وأقام حكمه على قوانين وضعية، أو كان العلماء بمعزل عن السلطان، ولا يأتونه للنصح والتوجيه: فسدت أحوال الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>