للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْحَسنَاتِ الْكِبَارِ الْمَأمُورِ بِهَا إيجَابًا أَو اسْتِحْبَابًا إنْ لَمْ يَبْذُلْ لِنَفْسِهِ مَا تُحِبُّهُ مِن بَعْضِ الْأمُورِ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا الَّتِي إثْمُهَا دُونَ مَنْفَعَةِ الْحَسَنَةِ.

فَهَذَا الْقِسْمُ كَثُرَ فِي دُوَلِ الْمُلُوكِ .. وَبِسَبَبِهِ نَشَأَتِ الْفِتَنُ بَيْنَ الْأمَّةِ، فَأَقْوَامٌ نَظَرُوا إلَى مَا ارْتكَبُوهُ مِن الْأمُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فَذَمُّوهُم وَأَبْغَضُوهُمْ.

وَأَقْوَامٌ نَظَرُوا إلَى مَا فَعَلُوهُ مِن الْأُمُورِ الْمَأمُورِ بِهَا فَأحَبُّوهُمْ.

ثُمَّ الْأَوَّلُونَ رُبَّمَا عَدُّوا حَسَنَاتِهِمْ سَيِّئَاتٍ، وَالْآخَرُونَ رُبَّمَا جَعَلُوا سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ.

فَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْحَسَنَاتِ حَسَنَاتٌ، وَالسَّيِّئَاتِ سَيِّئَات، وَهُم خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا، وَحُكْمُ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُم لَا يُؤْذَنُ لَهُم فِيمَا فَعَلُوهُ مِن السَّيئَاتِ وَلَا يُؤمَرُونَ بِهِ.

وَلَا يُجْعَلُ حَظُّ أَنْفُسِهِمْ عُذْرًا لَهُم فِي فِعْلِهِمْ إذَا لَمْ تكُن الشَّرِيعَةُ عَذَرَتْهُمْ.

لَكِنْ يُؤمَرُونَ بِمَا فَعَلُوهُ مِن الْحَسَنَاتِ وَيُحَضُّونَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُرَغَّبُونَ فِيهِ، وَإِن عُلِمَ أَنَّهُم لَا يَفْعَلُونَهُ إلَّا بِالسَّيِّئَاتِ الْمَرْجُوحَةِ؛ كَمَا يُؤمَرُ الْأُمَرَاءُ بالْجِهَادِ، وَإن عُلِمَ أَنَّهُم لَا يُجَاهِدُونَ إلَّا بِنَوْع مِن الظُلْمِ الَّذِي تَقِلُّ مَفْسَدَتُهُ بِالنَّسْبَةِ إلَى مَصْلَحَةِ الْجِهَادِ.

ثُمَّ إذَا عُلِمَ أَنَّهُم إذَا نُهُواْ عَن تِلْكَ السَّيئاتِ تَرَكُوا الْحَسَنَاتِ الرَّاجِحَةَ الْوَاجِبَةَ: لَمْ يُنْهَوْا عَنْهَا؛ لِمَا فِي النَّهْيِ عَنْهَا مِن مَفْسَدَةِ تَرْكِ الْحَسَنَاتِ الْوَاجِبَةِ، إلا أَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَيُفْعَلُ حِينَئِذٍ تَمَامُ الْوَاجِبِ، كَمَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَعْمِلُ مَن فِيهِ فجُور؛ لِرُجْحَانِ الْمَصْلَحَةِ فِي عَمَلِهِ، ثُمَّ يُزِيلُ فُجُورَهُ بِقُوَّتِهِ وَعَدْلِهِ.

ويكُونُ تَرْكُ النَّهْيِ عَنْهَا حِينَئِذٍ: مِثْل تَرْكِ الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ أَو بِالسِّلَاحِ إذَا كَانَ فِيهِ مَفْسَدَة رَاجِحَةٌ عَلَى مَفْسَدَةِ الْمُنْكرِ (١).


(١) فليس كل منكر يجوز إنكارُه، بل يجب مراعاة المصالح والمفاسد في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>